الاثنين، 13 أكتوبر 2008

مقال المتناقضات لطارق حجي


بقلم الكاتب أحمد خيري

وجود مثقفين ذوي الوجوه المتعددة يمتطون مقدمة الصفوف أمر طبيعي عبر العصور .. ومدعى النضال من أجل الحريات المصابين بإنفصام في الشخصية أمر تطفحه كتب التراث.. حيث تجدهم يتفاخرون بمساندتهم لنظريات قبول الآخر ومقابلة الفكر بالفكر، وفجأة يستيقظون من نومهم حاملين سيفا من خشب منتصبين في ميدان عام، يوصمون من لا يتفق مع آرائهم بالألفاظ النابية ويلقون بهم في المصحات النفسية.
لقد أثار مقال الكاتب طارق حجي المنشور بجريدة الأهرام يوم 11 سبتمبر تحت عنوان " تأملات في دفتر الواقع ".. العديد من المتناقضات التي تلغى كل فقرة مضمون ما يسبقها.
بدأها بإجهاد قريحته بتوزيع الألقاب الدونية لكل من يختلف مع آرائه .. لذا أصاب من يعجب بحزب الله بدانة محملة بالدونية والبدائية الفكريتان وسيكولوجية الأقنان، ولم يجهد ديمقراطيته بتفنيد حججهم ومزاعمهم .. وحدف المفكرين الذين لا يحفلون بنجاح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الافراج بالمفاوضات فقط عن قرابة مائتي فلسطيني ، بأنهم يتسمون بالدونية والبدائية الفكريتان وسيكولوجية الأقنان.. وزاد الشطط بوصم المسئول السوري الذي صرح بأن سوريا ماكانت لتقبل أن تعطي إسرائيل رجلها إيلي كوهين حتي لو كانت مرتفعات الجولان هي المقابل تجسيدا لدونية وبدائية الفكر وسيكولوجية الأقنان ..
إن ما نراه هو نتاج أزمة ثقافية عربية أفرخت مفكرين يبدعون بحناجرهم وتصل انفعالاتهم إلى درجة إلصاق التهم بأصحاب الآراء المخالفة لهم، لأن كل همهم التناحر للفوز بصدارة المصاطب المنمقة للمؤتمرات والندوات، مستخدمين نظريات بالية تخدر عقول وشعور البسطاء، وتحقق لهم مصالحهم الذاتية، وهى مصطلحات باتت من بقايا عصور العنصرية، ولكي يتم تضخيمها في العقول الجاهلة يربطها بنظريات فكرية فاسدة عفى عليها الزمن، لا يروجها غير الكيان الصهيوني وأعوانه لخلق أعداء وهميين، مثل نظريات الماضوية وصدام الحضارات ووجود الآخرالمدمر..
إنتقل مفكرنا الليبرالي إلى القيود التي تكبل الثقافة، وذكر منها ثلاثة جاء في صدارتها رجال الدين الغارقين في الرجعية والماضوية والتخلف .. ونلاحظ بأن الكاتب دأب على التأكيد على أنه يعادي الماضي بكل معطياته وتوجهاته، لذا فهو يوصمه بالتخلف، رغم أنه لم يقدم تبريرا موضوعيا بأن كل الماضي متختلف، فلا يصلح إيمانه بالحداثة والعلمانية تبريرا لحلفانه للطلاق المطلق لكل الماضي، ومحاولة إجتثاث جذوره، لأن الماضي هو هويتنا الواجب المحافظة عليها، وأخذ الصالح منه لبناء مستقبل أفضل، والمحافظة قدر المستطاع على منطقة " المابين " التي تفصل بين الماضي الجيد والمستقبل المغاير، بما يجعلنا لا نقع في براثن الضد الجامد الذي يحاول إعادة عقارب الساعة للوراء، ويعلن انتصار الأصولية..

أما الفقرة التالية توضح حالة الإنفصام والتنافر التي أصابت الكاتب، فهو يصف البعض بأنهم علماء ومثقفين وهذه مكتسبات تتميز بمعطياتها تمنح حاملها الحصانة العقلية، ولكنه يأبى ذلك ويسارع في نفس الفقرة ويرفع السيف ليسحب منهم الصفة العقلية ويحدفهم في أروقة المصحات النفسية، طبعا بعد إجراء اختبارات لهم على يد المفكر طارق حجي، ويزداد الطين بله بأن يؤكد في الفقرة التالية بأنه يقف بالمرصاد لمن يتصفون بضيق الصدر من النقد ويحجرون على الرأي الآخر مهما كانت دونيته.
يا سيادة الكاتب قضية مساواة المرأة منتهية منذ آلاف السنين، أكدتها الأديان السماوية، وكل من يخونه ضميره أو بدائيته، يمكن أن ندلل له من النصوص الدينية الصريحة بدلا من قذفهم في المصحات النفسية التي ازدحمت بروادها وتبحث هي عن مكان ..
وفي الفقرة الأخيرة نلاحظ بأن الكاتب يوصم العقلية العربية بأنها أسطورية، وله في ذلك كل الحق، والاختلاف معه في التعميم، لأن العقلية الأسطورية نتاج لموروث بشري، ومازالت حتي الآن المحرك الرئيسي لمقدرات كيانات مختلفة وأبرزها الكيان الصهيوني، الذي يحاول بمختلف الطرق تطبيق الأساطير والخرافات التي تعشش بعقليته، عبر إلتهام أراضي الدول المسالمة التي حدفها القدر لتقع في بؤرة أساطيره .. وهو كيان يراه الكاتب وغيره من الدول التي تتشدق بالحريات والديمقراطية، بأنه كيان ديمقراطي وعلماني وتقدمي ولم أر أحد منهم يصفه مرة واحدة بالدونية والبدائية الفكريتان وسيكولوجية الأقنان .