الأحد، 22 فبراير 2009

في جريدة الجزيرة السعودية .. اختارته موسوعة (جينيس) ليكون أول ساعاتي معاق في العالم مصري بلا ذراعين.. يعمل على أجهزة الكمبيوتر!!‏

مواهب

اختارته موسوعة (جينيس) ليكون أول ساعاتي معاق في العالم
مصري بلا ذراعين.. يعمل على أجهزة الكمبيوتر!!‏


القاهرة - أحمد خيري

صورة‏ ‏من‏ ‏صور‏ ‏تحدي‏ ‏الإعاقة‏ ‏يقدمها‏ ‏لنا‏ ‏رجب‏ عبدالمقصود 27 عاماً، ‏الذي حرم‏ ‏نعمة‏ ‏التمتع‏ ‏بيدين‏ ‏طبيعيتين‏، لكنه‏ ‏لم‏ ‏يستسلم‏ ‏للإحباط‏ ‏أو اليأس‏، ‏وجد‏ ‏في‏ ‏قدميه‏ بديلاً لليدين‏‏، ‏فعمد إلى تدريب‏ ‏نفسه‏ ‏والاستعانة‏ ‏بآخرين‏، ‏حتى‏ ‏غدا‏ ‏فنيا‏ ‏متميزا‏ في‏ إصلاح ‏الساعات‏ ‏الإلكترونية والكلاسيكية، ‏وامتدت‏ ‏إرادته‏ إلى ‏التدريب‏ ‏في‏ ‏مجال‏ ‏تجميع‏ أجهزة الكمبيوتر، ‏كما‏ ‏أصبح‏ ‏فنيا‏ ‏ماهرا‏ ‏في‏ ‏تصليح‏ ‏الساعات‏ ‏والأجهزة‏ ‏الإلكترونية‏ ‏الأخرى‏. وأتقن فك وصيانة أجهزة الكمبيوتر، ومؤخرا ابتكر أول دراجة نارية يقودها معاق بقدميه.. ‏وإليكم‏ ‏قصة‏ ‏التحدي‏ ‏من‏ ‏بدايتها، رغم‏ ‏ضيق‏ ‏الحال‏ ‏بإحدى‏ ‏الأسر‏ ‏البسيطة‏ ‏القاطنة‏ ‏في‏ ‏كفر‏ ‏حجازي ‏بمركز ‏إمبابة‏ ‏في محافظة‏ ‏الجيزة‏، ‏إلا‏ ‏أنها‏ استقبلت‏ ‏طفلها‏ ‏الخامس‏ ‏كعادة‏ ‏كل‏ ‏الأسر‏ ‏بفرحة‏ ‏وتهاني‏. ولكن‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏تحولت‏ ‏تلك‏ ‏الفرحة إلى كابوس‏ ‏أخذ‏ ‏يطاردهم‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏ظهرت‏ ‏بوادر‏ ‏عيوب‏ ‏خلقية‏ على ذراعي‏ ‏رجب‏ ‏وصلت‏ ‏بالطفل إلى مرحلة‏ ‏عدم‏ ‏استخدامهما‏ ‏بصورة‏ ‏طبيعية‏.‏

بدأت‏ ‏رحلة‏ ‏معاناة‏ ‏رجب‏ ‏وأسرته‏، ‏حينما‏ ‏اكتشفوا‏ ‏‏ضمور‏ ‏ذراعي‏ ‏طفلها‏، ‏وأخذت‏ أسرته ‏في‏ ‏البحث‏ ‏عن ‏طرق‏ ‏مختلفة‏ ‏لعلاجه‏، ‏حيث‏ ‏ركزوا‏ ‏في‏ ‏البداية‏ على الناحية‏ ‏الطبية‏ ‏بالمستشفيات‏ ‏الحكومية‏، ‏ولكن‏ ‏حال‏ ‏الطفل‏ ‏كان‏ ‏ينتقل‏ ‏من‏ ‏سيئ إلى أسوأ‏.. ‏حتى‏ ‏فقد‏ ‏رجب‏ ‏التحكم‏ ‏في‏ ‏حركة‏ ‏ذراعيه‏ ‏نهائيا‏، ‏الأمر‏ ‏الذي‏ ‏فجر‏ ‏في‏ ‏منزله‏ ‏مشكلة‏ أخرى تتعلق‏ ‏بالخوف‏ على مستقبله‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏كان‏ ‏توجههم إلى إلحاقه‏ ‏بكتاب‏ ‏القرية‏ أمرا‏ ‏طبيعيا‏، حتى‏ ‏يتعلم‏ ‏القراءة‏ ‏والكتابة‏ ‏وحفظ‏ ‏القرآن‏ ‏الكريم‏، ‏ويتأهل‏ ‏في‏ ‏النهاية‏ شيخا‏، ‏يمكنه‏ ‏إنشاء‏ ‏كتاب‏ خاص‏ ‏به‏ ‏في‏ ‏القرية‏، ‏ولكن‏ ‏تلك‏ ‏الأمنية‏ ‏فشلت‏ ‏أيضاً‏، ‏ولم‏ ‏يستطع‏ ‏تعلم‏ ‏القرآن‏ ‏كاملا‏ً! ‏

و‏بدأت‏ ‏رحلة‏ ‏العلاج‏ ‏مرة‏ أخرى وانقطع‏ عن‏ ‏الكتاب‏ ‏رغما‏ً ‏عنه‏، ‏حيث‏ ‏كانت‏ ‏الشهور‏ ‏التي‏ ‏يقضيها‏ ‏بداخل‏ ‏المستشفي‏ ‏كفيلة‏ ‏بأن‏ ‏تنسيه‏ ‏ما‏ ‏حفظه‏ ‏من‏ ‏القرآن‏ ‏الكريم‏، ‏وبعد‏ ‏رحلة‏ ‏طويلة‏ ‏من‏ ‏المعاناة‏ ‏المعنوية‏ ‏والمادية‏ ‏للطفل‏ ‏وأسرته‏، ‏لم‏ ‏ينجح‏ ‏الأطباء‏ ‏إلا‏ ‏في‏ ‏إعطاء‏ ‏يديه‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الحركة‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يتم‏ ‏علاج‏ ‏العيوب‏ ‏الخلقية‏ ‏بها‏ ‏والتي‏ ‏كانت‏ ‏تعيق‏ ‏استخدامه‏ ‏لها‏ ‏نهائيا‏ً.‏

استسلمت‏ ‏الأسرة‏ ‏لقدرها‏، ‏وبدأت‏ ‏تتعامل‏ ‏مع‏ ‏رجب‏ على أنه‏ ‏شخص‏ ‏ذو‏ ‏احتياجات‏ ‏خاصة‏ ‏في‏ ‏حاجة إلى المساعدة‏ ‏بصورة‏ ‏مستمرة‏، ‏لكن‏ ‏هذا‏ ‏الشاب‏ ‏فاجأ‏ ‏الجميع‏ ‏بإرادة‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏متوقعة‏ ‏وعزيمة‏ ‏لا‏ ‏تلين‏، ‏دفعته إلى إثبات‏ ‏ذاته‏ ‏ووجوده‏ ‏ولم‏ ‏تجعله‏ ‏يتجاوب‏ ‏مع‏ ‏أفكار‏ ‏أسرته‏ في‏ ‏البقاء‏ ‏بالمنزل‏، ‏وهو‏ ‏يري‏ ‏أخوته‏ ‏يذهبون إلى المدارس‏ ‏وساعده‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏حبه‏ ‏للإلكترونيات‏.‏

بدون‏ ‏علم‏ ‏من‏ ‏والديه‏ ‏اتجه‏ ‏رجب إلى تدريب‏ ‏قدميه‏ على طريقة‏ ‏التحكم‏ ‏الدقيق‏ ‏بالأدوات‏ ‏الصغيرة‏ ‏المستخدمة‏ ‏في‏ ‏فك‏ ‏الأجهزة‏ ‏الإلكترونية‏، ‏رغم‏ ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏أمرا‏ً ‏شاقاً‏ ‏عليه‏، ‏واستغرقت‏ ‏تلك‏ ‏العملية‏ ‏شهورا‏ ‏طويلة‏ ‏تخللها‏ ‏تدريب‏ ‏متواصل‏ على كافة‏ ‏الأدوات‏ ‏البسيطة‏ ‏التي‏ ‏يمكنه‏ ‏استخدامها‏ ‏في‏ ‏فك‏ ‏الأجهزة‏ ‏الإلكترونية‏ ‏حتى‏ ‏أمكنه‏ ‏في‏ ‏النهاية‏ ‏الإمساك‏ ‏بها‏ ‏بشكل‏ ‏طبيعي‏ ‏باستخدام‏ ‏القدمين‏.‏

نجح رجب في العمل بمجال إصلاح أجهزة التلفزيون، وذاع صيته في القرية، ولكن بعد فترة اكتشف أنه في حاجة لمن يساعده في حمل تلك الأجهزة الثقيلة، فقرر الاتجاه لعمل جديد يستفيد فيه من خبرته التي اكتسبها في تصليح الأجهزة الإلكترونية، لذا لجأ إلى مهنة والده الذي كان يعمل (ساعاتي)، ومتخصص في إصلاح الساعات القديمة المتهالكة لأهل القرية، ومن ثم أراد أن يطور من نفسه ويرتقي للعمل في أنواع الساعات الإلكترونية.

مصاعب‏ ‏مع‏ ‏الناس

بعد وفاة والده‏ ‏حاول‏ ‏التدريب‏ في ‏بعض‏ ‏المحلات‏ ‏المتخصصة‏ ‏في‏ ‏تصليح‏ الساعات‏ الإلكترونية، ‏ولكن واجه‏ ‏الجميع‏ ‏بالرفض، فهذه المهنة تحتاج من الحرفي دقة في استخدام أطراف يديه، ورجب لا يملك إلا قدميه‏‏، وزاد بعضهم من القسوة بأن اتخذ‏وا ‏منه‏ ‏مادة‏ ‏طريفة‏ ‏للتسلية‏ ‏لكونه‏ ‏بلا‏ ‏يدين‏، ‏ويريد‏ ‏التدرب‏ على إصلاح‏ ‏الساعات‏، لذا‏ ‏لم‏ ‏يجد‏ ‏مفرا‏ ‏من‏ الاعتماد‏ على تعليم‏ ‏نفسه‏ ‏ذاتيا‏.

‏وقتها كان عمره لم يتعد خمسة عشر عاماً، فأتجه إلى الاعتماد على ذاته في التدريب، عبر فك‏ ‏إحدى‏ ‏الساعات‏ ‏القديمة‏ ‏الموجودة‏ ‏داخل‏ ‏منزله‏ ‏وقابلته‏ ‏صعوبات‏ ‏جمة‏ ‏في‏ ‏انتزاع‏ ‏و‏ ‏فك‏ ‏الغطاء‏ ‏الخلفي‏ ‏للساعة‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏قدميه‏، ‏ولكن‏ ‏عزيمته‏ ‏ظلت‏ ‏تدفعه إلى التدرب‏ على ذلك‏ ‏حتى‏ ‏أتقنها‏ ‏دون‏ ‏اللجوء إلى أحد‏ ‏الحرفيين‏ ‏لتعلمها‏ ‏من‏ ‏خلاله‏، ‏وبعدها‏ ‏اقتني‏ رجب‏ نوعا‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏الساعات‏ ‏القديمة‏ وشرع‏ في‏ ‏فك‏ ‏مكوناتها‏ ‏الدقيقة‏ ‏ولكن‏ ‏واجهته‏ ‏صعوبة‏ ‏كبيرة‏ ‏في‏ ‏السيطرة‏ على فك‏ ‏تلك‏ ‏المكونات‏ ‏وتركيبها‏ ‏مرة‏ ‏أخري‏ ففشل‏ ‏مؤقتا‏ ‏وانتابته‏ ‏حالة‏ ‏من‏ ‏اليأس‏.‏

لكن‏ ‏روح‏ ‏التحدي‏ ‏التي‏ ‏كانت‏ ‏ملازمة‏ ‏له‏ ‏عادت‏ ‏لتدفعه‏ ‏لإعادة‏ ‏المحاولة‏ ‏وجعلته‏ ‏يقترض‏ ‏مبلغا‏ ‏من‏ ‏المال‏ لشراء‏ ‏إحدى‏ ‏الساعات‏ ‏ونجح‏ ‏في‏ ‏فكها إلى أجزائها‏ ‏الأولية‏ ‏وقام‏ ‏بتركيبها‏.‏

ساعدته في النجاح ذاكرته القوية، التي سخرها أثناء تردده على محلات الصيانة، حينما‏ ‏كانت‏ ‏تواجهه‏ ‏مشكلة‏ ‏يجهلها‏ ‏أو‏ ‏مكون‏ ‏من‏ ‏مكونات‏ ‏الساعات‏ ‏لا‏ ‏يعرفه‏،‏ ‏مدعيا‏ً ‏أن‏ ‏ساعته‏ ‏بها‏ ‏نفس‏ ‏العطل‏، حتى تحين اللحظة وتتحفز كل حواسه لمراقبة ‏الساعاتي‏ ‏بداية من‏ ‏فكه‏ ‏لغطاء ‏الساعة‏ ‏إلى مرحلة استخدام‏ ‏أجهزة‏ ‏القياس‏ ‏المختلفة‏ ‏في‏ ‏تحديد العطل وعمليات‏ ‏الإصلاح‏، ‏وبعد أن يدرك كل تلك الخطوات يسجلها في ذهنه، ‏ويذهب‏ ‏مسرعا إلى بيته‏ لكي‏ يدرب‏ ‏نفسه‏ ‏عليها‏ قبل نسيانها، ‏وبتلك‏ ‏الطريقة‏ ‏تمكن‏ ‏رجب‏ ‏من‏ ‏تدريب‏ ‏نفسه‏ على صيانة‏ ‏الساعات‏ ‏ذاتيا.‏

نجاحه ‏دفعة للتقدم إلى موسوعة (جينيس) للأرقام القياسية في العالم، وبعد اختبارات عديدة جاءته المفاجأة الكبرى باختياره ليكون أول ساعاتي معاق في العالم.. ‏فزاده‏ ‏ذلك‏ ‏ثقة‏ ‏بنفسه‏، دفعته ‏للتوسع‏ ‏والتنوع‏ ‏في خبراته الفنية، ‏بدأ‏ ‏يدرب‏ ‏نفسه‏ على فك‏ ‏الأجهزة‏ ‏الإلكترونية‏ ‏المتنوعة‏ ‏خاصة‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تزوج‏ ‏وأنجب‏ ‏طفلين‏، ‏ولم‏ ‏يعد‏ ‏عمله‏ ‏في‏ ‏تصليح‏ ‏الساعات‏ ‏داخل‏ ‏قريته‏ ‏موردا‏ ‏يتكفل‏ ‏بدفع‏ ‏مصاريف‏ ‏بيته‏ ‏وتربية‏ ‏أولاده‏.‏

من الساعات للكمبيوتر

عادت‏ ‏روح‏ ‏التحدي‏ ‏مرة‏ أخرى ورفض‏ ‏تقبل‏ ‏المساعدة‏ ‏بدافع‏ ‏الشفقة‏ ‏من‏ ‏الآخرين‏، ‏وبدأ‏ ‏البحث‏ ‏عن‏ ‏مجال‏ ‏جديد‏ ‏للعمل‏ ‏يرفع‏ ‏به‏ ‏موارده‏ ‏المالية‏، ‏وحينما‏ ‏سمع‏ ‏عن‏ ‏صيانة‏ ‏أجهزة‏ الكمبيوتر ‏‏وتجميعها‏، ‏ومدى الاستفادة‏ ‏التي‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يجنيها‏ ‏من‏ ‏وراء‏ ‏ذلك‏، ‏راح‏ ‏يتدرب‏ ‏من‏ ‏جديد‏ على تعلم‏ ‏طريقة‏ ‏تجميع‏ ‏وصيانة‏ ‏أجهزة الكمبيوتر‏، ‏وهنا‏ ‏اصطدم‏ ‏بمشكلة‏ ‏جديدة‏ ‏وهي‏ ‏عدم‏ ‏تعلمه‏ ‏اللغة‏ ‏الإنجليزية‏.‏ لم‏ ‏ييأس‏ ‏بل‏ ‏قام‏ ‏بشراء‏ ‏كمبيوتر‏ ‏بالتقسيط‏، ‏وأخذ‏ ‏يتدرب‏ ‏عليه‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏أحد‏ ‏الأشخاص‏ ‏القريبين‏ ‏منه، ‏وبعد‏ ‏ذلك‏ ‏تعرف‏ على بعض‏ ‏الأشخاص‏ ‏الذين‏ ‏يمتلكون‏ مركزا‏ ‏لتجميع‏ ‏أجهزة‏ ‏الكمبيوتر‏ ‏لصالح‏ ‏مشروع‏ ‏حاسب‏ ‏لكل‏ ‏بيت‏ التابع لوزارة الاتصالات، ‏وبدأ‏ ‏يتدرب‏ ‏لديهم‏ على مكونات‏ ‏الحاسب‏ ‏وطرق‏ ‏صيانته.

وبعد سماعة عن الفوائد التي يمكن أن يجنيها من خلال التسويق الإلكتروني، دفعه الطموح إلى تعلم القراءة والكتابة، والتعرف على‏ ‏الحروف‏ ‏الأجنبية‏ ‏المتواجدة‏ على لوحة‏ ‏مفاتيح‏ الأجهزة، ومن ثم الارتقاء إلى مرحلة التعامل مع‏ ‏أنظمة‏ ‏التشغيل‏ ‏المعربة‏ ‏حتى‏ ‏تمكن‏ ‏في‏ ‏النهاية‏ ‏من‏ ‏العمل‏ على جهاز الكمبيوتر‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏قدميه‏ ‏بصورة‏ ‏جيدة‏.. وبمساعدة من أصدقائه تمكن من تصميم وبناء موقع إلكتروني خاص، يتيح له عرض مواهبه المختلفة وتسويق الساعات القديمة ذات الأسعار المرتفعة.

في جريدة الجزيرة السعودية بفضل تكنولوجيا المعلومات.. شقة محتوياتها تسمع وتفهم والكفيف فيها كالمبصر!

ريبورتاج

بفضل تكنولوجيا المعلومات..
شقة محتوياتها تسمع وتفهم والكفيف فيها كالمبصر!


القاهرة - أحمد خيري:

في‏ ‏الدور‏ ‏الثامن‏ ‏بإحدى‏ ‏العمارات‏ ‏الفخمة‏ ‏بحي‏ ‏المهندسين‏ ‏بمدينة الجيزة، وقفت‏ ‏وزميلي‏ ‏المصور‏ ‏أمام باب إحدى الشقق، أبحث‏ ‏عن‏ ‏جرس‏ ‏للباب‏ ‏فلم‏ ‏أجد‏، ‏فهممت بطرقه‏ فانفتح‏ ‏فجأة‏، بحثت ‏عن‏ ‏أحد‏ ‏بجواره، فلم أجد وجاءني‏ ‏صوت‏ ‏من‏ ‏الداخل‏ ‏مرحبا‏ وطالبا‏ ‏دخولي‏ ‏الشقة‏.. بمجرد‏ ‏دخلونا‏ ‏تناهى لسمعي ‏الصوت‏ ‏نفسه يقول‏ ‏أغلق‏ ‏الباب‏، ‏وحينما‏ ‏اتجهت ‏لإغلاقه‏ ‏وجدت‏ ‏الباب‏ ‏ينغلق‏ ‏من تلقاء نفسه.

(حجرة‏ ‏الصالون‏ ‏على ‏يمينكما ‏تفضلا) قالها‏ ‏‏‏الصوت‏ ‏نفسه الذي‏ ‏أنهى ‏كلامه‏ ‏بجملة‏: ‏افتح‏ ‏نور‏ ‏الصالون‏، ‏فجأة‏ ‏وجدنا‏ ‏كافة‏ ‏الأنوار‏ ‏داخل‏ ‏الصالون‏ ‏قد‏ ‏أضيئت‏ ‏من تلقاء نفسها، ثم جاءنا الصوت نفسه،: هل تريدون تكييف ساخن أم لا، ‏فطلب‏ ‏زميلي‏ ‏أن‏ ‏يعمل‏ ‏جهاز‏ ‏التكييف‏، وبدون‏ ‏أدنى‏ ‏حركة‏ ‏قال صاحب الصوت: جهاز‏ ‏التكييف‏ ‏رقم‏ 3، فبدأ‏ ‏جهاز‏ ‏التكييف‏ ‏الخاص‏ ‏بحجرة‏ ‏الصالون‏ ‏فقط‏ ‏في العمل وفي‏ ‏دقائق‏ ‏شعرنا‏ ‏بالدفء.. ما الذي يحدث في هذه الشقة التي بدت محتوياتها وكأنها مزودة بآذان صاغية تتلقى الأوامر من صاحب الصوت فتفهم وتنفذ؟

جاءت زيارتنا للشقة للتأكد على أرض الواقع بمدى ما يمكن أن تفعله الثورة التي اجتاحت عالم الحاسبات والإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات عموماً لذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين، فالشقة مملوكة لشخص يعاني من العمى، تولت إحدى الشركات المتخصصة تجهيزها بنظام معلومات وإلكترونيات خاص، لمساعدته على ممارسة حياته بمفرده داخل الشقة كما لو كان مبصراً، ودون مساعدة من أحد، فقد حاول النظام أن يكون وسيطاً ذكياً بين ساكن الشقة ومحتوياتها جميعاً، يجعل هذه المحتويات تسمع صوت صاحبها فتفهم وتنفذ ما يريد.

بعد‏ ‏فترة‏ ‏من‏ ‏وجودنا مع‏ ‏محمد‏‏ صاحب الشقة، لم‏ ‏نشعر‏ ‏بأننا‏ ‏نجلس‏ ‏مع‏ ‏شخص‏ ‏كفيف‏ ‏بل‏ شخص‏ ‏عادي‏ ‏يتعامل‏ ‏مع‏ ‏كافة‏ ‏الأجهزة‏ ‏والمعدات‏ ‏الحديثة‏ ‏الموجودة‏ ‏في‏ ‏شقته‏ ‏كأنه‏ ‏شخص‏ ‏مبصر، ولا يبدو هناك أي شيء غريب سوى سماعة صغيرة يعلقها محمد على فتحة القميص الذي يرتديه، تتيح له فرصة التحدث من خلالها إلى أي جهاز داخل الشقة، فمثلاً بعد دقائق من جلوسنا معاً سألنا‏ ‏محمد‏ ‏عن‏ ‏شيء‏ ‏نشربه‏ ‏كواجب ضيافة، ففضلنا‏ ‏أن‏ ‏لا نطلب‏ ‏شيئا‏ً ‏لكونه بمفرده وسيصعب عليه القيام بهذا الواجب‏ ‏فاعتذرنا‏، ‏ولكنه‏ ‏ألح‏ ‏عندما‏ ‏شعر‏ ‏بإحراجنا‏، ‏وقال‏ ‏بصوت مسموع: حاجة (‏ساقعة‏)‏..‏ الثلاجة‏ 2، ففتحت ثلاجة صغيرة بالصالون أبوابها، وتناولنا منها المشروب.

حينما لمحت جهاز‏ ‏كمبيوتر‏ ‏موجود‏ ‏في‏ أحد أركان ‏الشقة، وهممت بالذهاب ناحيته للتعرف على إمكاناته التي تتيح استعماله من قبل المكفوفين..‏تحدث‏ ‏في‏ ‏السماعة‏ التي يحملها، ‏فعمل‏ ‏جهاز‏ ‏الكمبيوتر بمفرده‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏أصل ‏إليه‏، وجدت‏ ‏أن‏ ‏لوحة‏ ‏المفاتيح‏ ‏(كيبورد‏) ‏تحتوي‏ ‏على‏ ‏رموز‏ ‏بارزة‏ ‏على‏ ‏مفاتيحها‏ مصممة باستخدام نظام‏ (برايل)، إضافة‏ ‏إلى ‏وجود‏ ‏برامج‏ ‏خاصة‏ ‏مثبتة على‏ جهاز ‏الكمبيوتر، يمكنها تحويل النصوص المكتوبة إلى إشارات وأصوات، ومن ثم يتفاعل مع الشخص الكفيف عبر قراءة النصوص‏ ‏المعروضة وإذاعتها‏ ‏صوتياً.

نظام‏ ‏مصري

هذا‏ ‏النموذج‏ ‏السابق‏ ‏ليس‏ ‏ضربا من‏ ‏الخيال‏، ‏ولكنه‏ ‏واقع‏ ‏يوضح‏ ‏أهمية‏ ‏تطويع‏ ‏استخدام‏ ‏الوسائل‏ ‏التكنولوجية والأنظمة‏ ‏الإلكترونية‏ ‏في‏ ‏مساعدة‏ ‏ذوي‏ ‏الاحتياجات‏ ‏الخاصة‏، ‏لكي‏ ‏يعتمدوا‏ ‏على ‏أنفسهم‏ ‏ويصبحوا‏ ‏عناصر‏ ‏إيجابية‏، ‏كما‏ ‏يؤكد‏ ‏هذا‏ ‏النموذج‏ ‏على ‏وجود‏ ‏صناعة‏ ‏إلكترونية‏ ‏محلية‏ واعدة تحتاج‏ ‏إلى ‏تبني‏ ‏الدولة‏ ‏لها‏ ‏وتشجيعها.

يقول ‏‏المهندس‏ محمد‏ ‏عبد‏‏اللطيف‏ ‏أبو‏ ‏العزم‏ ‏العضو‏ ‏المنتدب‏ ‏للشركة‏ ‏صاحبة براءة‏ ‏اختراع هذا‏ ‏النظام‏ ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏الإلكتروني‏ يمكن‏ ‏تركيبه‏ ‏بكل‏ ‏سهولة‏ ‏في‏ ‏أماكن‏ ‏معيشة‏ ‏ذوي‏ ‏الاحتياجات‏ ‏الخاصة‏، ‏لمساعدتهم في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، والنظام يمكن التحكم فيه بوسائل‏ ‏تختلف‏ ‏حسب‏ ‏نوع‏ ‏الإعاقة‏، ‏فالكفيف‏ ‏مثلا‏ً ‏يستعمل‏ ‏الصوت‏ ‏في‏ ‏إعطاء‏ ‏الأوامر، أما الشخص الذي يعاني من إعاقة حركية‏ ‏يمكنه ‏‏أن‏ ‏يتعامل مع النظام عبر ‏الصوت‏ ‏أو‏ باستخدام ‏الريموت‏ ‏كنترول‏، ويتكون‏ النظام‏ من‏ ‏وحدات‏ ‏معينة‏ ‏تم‏ ‏التوصل‏ ‏إلى‏ ‏تصميمها‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏الهندسة‏ ‏العكسية‏ ‏وتصنيعها‏ ‏في‏ ‏مصر‏، ‏وهذه‏ ‏الوحدات‏ ‏يتم‏ ‏تركيبها‏ ‏عند‏ ‏مفاتيح‏ ‏الكهرباء‏ ‏الخاصة‏ ‏بجميع‏ ‏الأجهزة‏ ‏الموجودة‏ ‏في‏ ‏المكان، مثل‏ ‏قفل‏ ‏الباب‏ ‏الكهربائي‏ ‏ومفتاح‏ ‏التكييف‏، ‏وتتصل‏ ‏‏بجهاز‏ ‏كمبيوتر‏ ‏خادم‏ ‏مجهز‏ ‏ببرامج‏ ‏خاصة‏ ‏تقوم‏ ‏ببرمجتها‏ ‏وتشغيلها‏ ‏بالإضافة‏ ‏إلى‏ ‏وحدة‏ ‏استقبال‏ ‏خاصة‏ ‏للتحكم‏ ‏في‏ ‏جهاز‏ ‏الكمبيوتر‏، ‏وهذه‏ ‏الوحدة‏ ‏تعتمد‏ ‏في‏ ‏عملها‏ ‏على‏ ‏وحدات‏ ‏صوتية‏ ‏مثل‏ ‏الميكروفونات‏ ‏الحساسة‏ ‏التي‏ ‏يتم‏ ‏زراعتها‏ ‏في‏ ‏الأماكن‏ ‏المختلفة‏،‏ لتستقبل‏ ‏الأوامر‏ ‏من‏ ‏الشخص‏،‏ ‏بعد‏ ‏تشفير‏ ‏صوته‏ ‏على ‏جهاز‏ ‏الكمبيوتر‏، ‏لذلك‏ ‏فإن‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏لا يعمل‏ ‏إلا‏ ‏مع‏ ‏الشخص‏ ‏الذي‏ ‏صنع‏ ‏له‏ ‏وتم‏ ‏برمجته‏ ‏على‏ ‏صوته‏، ‏كما‏ ‏تعمل‏ ‏وحدة‏ ‏الاستقبال‏ ‏المتصلة‏ ‏بالكمبيوتر‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏استخدام‏ ‏الريموت‏ ‏كنترول‏ ‏أو‏ آلة الرد على المكالمات التليفونية.

عمل‏ ‏النظام

بمجرد‏ ‏أن‏ ‏ينطق‏ ‏الشخص‏ ‏باسم‏ ‏الجهاز‏ ‏المراد‏ ‏تشغيله، ‏تلتقطه ‏السماعة‏ ‏لتوصيلها‏ ‏إلى ‏وحدة‏ ‏الاستقبال‏ ‏التي‏ ‏تقوم‏ ‏بتشفير‏ ‏الكلام‏ ‏إلى‏ ‏أرقام‏ ‏موجودة‏ ‏على ‏جهاز‏ ‏الكمبيوتر‏، ‏لأن‏ ‏لكل‏ ‏جهاز‏ ‏في‏ ‏المكان‏ ‏رقماً‏ ‏معيناً‏، ‏وعن‏ ‏طريق ‏الرقم‏ ‏الذي‏ ‏يحدد‏ ‏الجهاز‏ ‏المراد‏ ‏فتحه، يقوم‏ ‏الكمبيوتر‏ ‏بإصدار‏ ‏الأمر‏ ‏إلى‏ ‏الوحدة‏ ‏التي‏ ‏تحمل‏ ‏هذا‏ ‏الرقم‏ ‏والموجودة‏ ‏بجوار‏ ‏مفتاح‏ ‏الكهرباء، الذي‏ ‏يفتح‏ ‏أو‏ ‏يغلق‏ ‏الطاقة‏ ‏الكهربائية‏ ‏الداخلة‏ ‏إلى‏ ‏هذا‏ ‏الجهاز‏ ‏فيعمل‏ ‏أو‏ ‏يغلق‏، ‏وبالطريقة نفسها‏ يعمل‏ ‏الريموت‏ ‏والذي‏ ‏يعتبر‏ ‏أسهل‏ ‏في‏ ‏استخدامه‏ ‏عن‏ ‏الصوت‏، ‏لأن‏ ‏كل‏ ‏زر ‏به‏ ‏يحمل‏ ‏رقم‏ ‏الجهاز‏، ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏أنه‏ ‏يستطيع‏ ‏التغلب‏ ‏على‏ ‏مشكلة‏ ‏تغيير‏ ‏الصوت‏ ‏عندما‏ ‏يتعرض‏ ‏الشخص‏ ‏للمرض‏.

أما‏ ‏طريقة‏ ‏التحكم‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏التليفون‏ ‏فتختلف -كما يقول‏ ‏المهندس محمد‏ ‏عبد‏ ‏اللطيف‏-‏‏ ‏عن‏ ‏الطريقتين‏ ‏السابقتين‏، ‏فعلى سبيل‏ المثال‏ ‏إذا كان أحد الأشخاص‏ ‏في مكان‏ ‏عمله، وجاءه خبر بأن هناك أحد الأفراد يريد‏ ‏أن‏ ‏يفتح‏ ‏له باب‏ ‏الشقة‏ أو‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يعمل ‏التكييف‏ ‏أو‏ ‏السخان‏ ‏قبل‏ ‏وصوله‏ ‏فيقوم‏ ‏بالاتصال‏ ‏بالتليفون‏ ‏العادي‏ ‏فترد‏ ‏عليه‏ آلة الرد، وبعد‏ ‏أن‏ ‏يعطيه‏ ‏الصفارة‏ ‏يقوم‏ ‏الشخص‏ ‏بإدخال‏ ‏أرقام‏ ‏سرية‏ ‏معينة‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏مفاتيح‏ ‏التليفون‏، لتقوم آلة الرد‏ ‏بتأدية مهامها عن‏ ‏طريق‏ ‏تشفير‏ ‏تلك البيانات‏ ‏وإرسالها‏ ‏إلى ‏وحدة‏ ‏الاستقبال‏، ‏ليقوم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏الكمبيوتر‏ ‏بإصدار‏ ‏الأوامر‏ ‏بفتح‏ ‏الجهاز‏ ‏المراد تشغيله.

تخفيض‏ ‏الأسعار

عن‏ ‏أسعار‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏وعدم‏ ملاءمته‏ ‏مع‏ ‏المستويات‏ ‏الاجتماعية‏ ‏المختلفة‏ ‏لذوي‏ ‏الاحتياجات‏ ‏يقول‏ ‏محمد‏ ‏الشرقاوي‏ ‏رئيس‏ ‏مجلس‏ ‏إدارة‏ الشركة‏ ‏صاحبة‏ ‏النظام‏ ‏الإلكتروني‏ ‏بأن‏ ‏تصنيع‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏بأقسامه‏ ‏الثلاثة‏ (‏البرمجيات‏ ‏ - ‏أجهزة‏ ‏التحكم‏ - ‏الكمبيوتر‏ ‏الخادم‏) ‏أدى ‏إلى‏ ‏الوصول‏ ‏بسعر‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏إلى‏ ‏حوالي‏ 30% ‏من‏ ‏سعره‏ ‏بالخارج‏، الأمر الذي يجعل من السهل انتشاره واستخدامه من قبل فئات أوسع، ويضيف: ‏نأمل‏ ‏في‏ ‏المستقبل‏ ‏وبعد‏ ‏الانتهاء‏ ‏من‏ ‏إجراء‏ ‏الاتفاقيات‏ ‏الخاصة‏ ‏مع‏ ‏بعض‏ ‏المصانع‏ ‏الإلكترونية‏ ‏لتصنيع‏ ‏أجهزة‏ ‏التحكم‏ ‏بها‏ ‏أن‏ ‏نصل‏ ‏إلى‏ ‏تخفيض‏ ‏التكلفة‏ ‏وبالتالي‏ ‏الأسعار، ولأن‏ ‏ذوي‏ ‏الاحتياجات‏ ‏الخاصة‏ ‏هم‏ ‏مسؤولية‏ ‏الحكومة‏ ‏فإن‏ ‏دعم‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏تصنيعه‏ ‏داخل‏ ‏المصانع‏ ‏الحكومية‏ ‏سيؤدي‏ ‏حتماً‏ ‏إلى‏ ‏انتشار‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏داخل‏ ‏أماكن‏ ‏تواجدهم‏ ‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏شققاً‏ ‏أو‏ ‏معاهد‏ ‏أو‏ ‏ملاجئ‏ ‏أو‏ ‏غيرها‏ ‏من‏ ‏الأماكن.

سياحة‏ ‏المعاقين

ويقول‏ ‏المهندس‏ ‏فؤاد‏ ‏الماظ‏ ‏مدير‏ ‏المبيعات‏ ‏والتسويق‏ ‏بأن‏ ‏الشركة‏ ‏قامت‏ ‏بعرض‏ ‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏على‏ ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الأماكن‏ ‏السياحية‏ ‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏فنادق‏ ‏أو‏ ‏قرى‏ ‏سياحية‏ ‏وخاصة‏ ‏في‏ ‏أماكن‏ ‏سياحة‏ ‏الاستشفاء‏ ‏التي‏ ‏يأتي‏ ‏إليها‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏السياح‏ ‏المعاقين‏، ‏لأنه‏ ‏لا يوجد‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏حتى‏ ‏الآن‏ ‏مكان‏ ‏مجهز‏ ‏للمعاقين‏ ‏مما‏ ‏يسبب‏ ‏المشاكل‏ ‏والمعوقات‏ ‏الكثيرة‏ ‏أمام‏ ‏حضور‏ ‏ذوي‏ ‏الاحتياجات‏ ‏الخاصة‏ ‏إلى‏ ‏مصر‏ ‏واتجاههم‏ ‏إلى ‏الدول‏ ‏التي‏ ‏توفر‏ ‏لهم‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الأنظمة‏ ‏التي‏ ‏تسهل‏ ‏استمتاعهم‏ ‏بها‏ ‏وبذلك‏ ‏تفقد‏ ‏مصر‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏دخل‏ ‏هؤلاء‏ ‏السياح.

صورة أخرى

في‏ ‏التجمع‏ ‏الخامس‏ ‏وبالتحديد‏ ‏في‏ ‏مدرسة‏ ‏ايفركير‏ ‏للتربية‏ ‏الخاصة‏، ‏وجدت‏ ‏مصطفى‏ ‏طفل‏ ‏في‏ ‏العاشرة‏ ‏من‏ ‏عمره‏، يجلس‏ ‏أمام‏ ‏جهاز‏ ‏الكمبيوتر‏ ‏والدهشة‏ ‏تظهر‏ ‏على‏ ‏وجهه‏ ‏يعلم‏ ‏جيداً‏ ‏ما يكتب‏ ‏على‏ ‏جهاز‏ ‏الكمبيوتر‏، وبجواره‏ ‏جلست‏ ‏مدرسة‏ ‏الكمبيوتر‏ ‏المتخصصة‏ ‏في‏ ‏كيفية‏ ‏استخدام‏ ‏الوسائل‏ ‏التكنولوجية‏ ‏المساعدة‏ ‏لتعليم‏ ‏الكمبيوتر‏، تفاحة‏ ‏يعني‏ ‏حرف‏ ‏ت‏، موزة‏ ‏يعني‏ ‏حرف‏ ‏م‏.

كانت‏ ‏المدرسة‏ ‏تشير‏ ‏لمصطفى ‏على‏ ‏لوحة‏ ‏المفاتيح‏ ‏ذات‏ ‏الحجم‏ ‏الكبير‏ ‏المغطاة‏ ‏بسطح‏ ‏غشائي‏ ‏رقيق‏ ‏مرسوم‏ ‏عليه‏ ‏أشكال‏ ‏كثيرة‏ ‏للحيوانات‏ ‏والفواكه‏ ‏والأرقام‏، ‏بحيث‏ ‏يعبر‏ ‏كل‏ ‏شكل‏ ‏أو‏ ‏رقم‏ ‏عن‏ ‏مفتاح‏ ‏معين‏ ‏يكتب‏ ‏على ‏الكمبيوتر‏ ‏حرفا‏ ‏أو‏ ‏رقما‏ ‏أو‏ ‏صورة‏ ‏أو ‏صوتا‏، ‏يعرفها‏ ‏مصطفى ‏ويضحك‏ ‏لها، أما‏ ‏فاطمة‏ ‏ومحمود‏ ‏وبقية‏ ‏التلاميذ‏ ‏يجلسون‏ ‏حولهم‏ ‏ينظرون‏ ‏ماذا‏ ‏يفعل‏ ‏مصطفى، البعض‏ ‏منهم‏ ‏ذكي‏ ‏ويفهم‏ ‏كل‏ ‏شيء‏، ‏ولكنه‏ ‏لا يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يتعامل‏ ‏مع‏ ‏جهاز‏ ‏الكمبيوتر‏، ‏لأن‏ ‏إعاقته‏ ‏حركية‏ ‏ولا يتحرك‏ ‏منه‏ ‏إلا‏ ‏أجزاء‏ ‏معينة‏ ‏من‏ ‏جسمه،‏ ‏مثل‏ ‏رأسه‏ ‏أو‏ ‏فمه‏ ‏ولكن‏ ‏لا توجد‏ ‏أدوات‏ ‏مساعده‏ ‏لهم‏ ‏تسهل‏ ‏تدريبهم‏ ‏وتأهيلهم‏ ‏على‏ ‏أجهزة‏ ‏الكمبيوتر.

وحول ‏‏وجود‏ ‏بعض‏ ‏الأدوات‏ ‏المساعدة‏ ‏التي‏ ‏تتناسب‏ ‏مع‏ ‏بعض‏ ‏أنواع‏ ‏الإعاقات‏ ‏وعدم‏ ‏وجود‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏الأدوات‏ ‏المساعدة‏ ‏في‏ ‏المدرسة‏ ‏تقول الدكتورة ‏هالة‏ ‏فؤاد‏ ‏مديرة‏ ‏المدرسة‏:‏ ‏لا نزال‏ ‏بعيدين‏ ‏كل‏ ‏البعد‏ ‏عن‏ ‏الاستفادة‏ ‏من‏ ‏تلك‏ ‏الوسائل‏ ‏الخاصة‏ ‏واستغلالها‏ ‏في‏ ‏تأهيل‏ الأطفال‏ ‏ذوي‏ ‏الاحتياجات‏ ‏الخاصة،‏ ‏وذلك‏ ‏إما‏ ‏لعدم‏ ‏الاهتمام‏ ‏من‏ ‏الدولة‏ ‏بالقدر الكافي ‏لهؤلاء‏ ‏الأطفال‏، ‏أو‏ ‏عدم‏ ‏الوعي‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏الأهل بأهمية‏ ‏تدريب‏ ‏وتأهيل‏ ‏الأطفال‏، ‏فعلى‏ ‏سبيل‏ ‏المثال‏ ‏هناك‏ ‏أعداد‏ ‏كثيرة‏ ‏خارج‏ ‏الإحصائيات‏، ‏لأطفال‏ ‏وشباب‏ ‏يعانون‏ ‏إعاقات‏ ‏مختلفة‏ ‏في‏ ‏قرى ‏مصر‏، ‏يتم‏ ‏التعامل‏ ‏معهم‏ على أنهم مهمشون‏ ‏في‏ ‏الحياة‏، و‏‏هناك‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏العائلات‏ ‏لا تعترف‏ ‏بوجود‏ ‏أطفال‏ ‏معوقين‏ ‏لديهم‏ ‏خوف ‏من‏ ‏نظرة‏ ‏المجتمع‏ ‏لهم‏ ‏وغيرها‏ ‏من‏ ‏النماذج‏ ‏فما‏ ‏بالنا‏ ‏إذا‏ ‏استخدمنا‏ ‏أدوات‏ ‏مساعدة‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏مساعدة‏ ‏هؤلاء‏ ‏الأطفال‏ ‏في‏ ‏الدخول‏ ‏إلى‏ ‏عصر‏ ‏المعلومات‏؟ ‏طبعا سترتفع‏ ‏تكلفة‏ ‏رعاية‏ ‏الطفل‏ ‏لأنه‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏رعاية‏ ‏خاصة‏ ‏وإفراد‏ ‏مدربين‏ ‏في‏ ‏الغالب‏ ‏أجورهم‏ ‏مرتفعة‏ ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏تلك‏ ‏المعدات، والنتيجة‏ ‏سوف‏ ‏تكون‏ إحجاماً ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏أولياء‏ ‏الأمور‏ ‏في‏ ‏تأهيل‏ ‏أطفالهم.

وتضيف أنه ‏مع‏ ‏دخول‏ ‏مصر‏ ‏مشروع‏ ‏النهضة‏ ‏التكنولوجية‏ ‏انتظرنا‏ ‏مشروعاً ‏آخر‏ ‏للنهوض بهذه الفئة اعتمادا على تكنولوجيا المعلومات، ولكن لم يحدث، ولعله من المفيد أن يتعاون رجال الأعمال مع الدولة في دعم هؤلاء، خاصة أن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين في مصر يقترب من خمسة ملايين مواطن، يمكن من خلال تكنولوجيا‏ ‏المعلومات‏ ‏والحاسبات‏ ‏والإلكترونيات إدماج عدد كبير منهم في المجتمع مرة أخرى، وإذا ما تم تصميم مشروع قومي في هذا الصدد، فهو بالتبعية سينعش صناعات البرمجيات والحاسبات والإلكترونيات العاملة في مجال مساعدة المعاقين، خاصة وأن هذا القطاع من الصناعة حقق نتائج جيدة، سواء في مجال الهندسة العكسية أو جودة كفاءة النظم المنتجة أو الوصول بأسعارها إلى مستويات منخفضة ومنافسة تناسب قدرات المواطن العادي. فمتي‏ ‏نسمع‏‏ عن مشروع‏ خاص‏ ‏بذوي‏ ‏الاحتياجات‏ ‏الخاصة‏ ‏في‏ ‏عصر‏ ‏المعلومات؟

السبت، 21 فبراير 2009

ابتسامة قاتلة بقلم: أحمد خيري

في جريدة الأهرام

قضايا و اراء

44636‏السنة 133-العدد2009فبراير20‏25 من صفر 1430 هـالجمعة



رؤية
ابتسامة قاتلة
بقلم: أحمد خيري


في حياة كل شخص منا أيام ولحظات لا تنسي‏,‏ حفرت بصمتها داخل الذاكرة‏,‏ وزيارتي للسيرك القومي من أهم تلك اللحظات‏,‏ فكل شبر يقسم بأغلظ الأيمان عن معجزة إدارية بهلوانية‏.‏

ـ بابتسامة ساحرة تقابلك موظفة شباك التذاكر‏,‏ تنسيك الأخبار السيئة التي تفرمك طوال النهار‏.‏

ـ بابتسامة ترحيب وكلمات ود ومداعبة لأطفالك يلقاك موظفون عند بوابة التذاكر‏,‏ ليسلموك بابتسامة ود لأشخاص يرتدون زيا موحدا‏,‏ يمنحونك الألقاب الشرفية‏,‏ وحق اختيار مكان الانتظار حتي يتم فتح أبواب قاعة السيرك‏..‏ لا تمر دقائق حتي ينتصب أمامك شخص يحمل ما طاب من أصناف الحلوي والمشهيات‏,‏ ويظل يحوم ويدور حتي يتحول المكان لساحة من البكاء والعدو خلف الأطفال‏,‏ ومن بعده يأتي رجل الفيشار‏,‏ وبعده بائع المشروبات‏,‏ ووقت الحساب تكتشف أنه تم النصب عليك ومطلوب‏100‏ جنيه علي أشياء قد تشتريها من الخارج بربع السعر‏.‏

ـ بابتسامة يسارع إليك الموظفون حاملين كراسي من البلاستيك‏,‏ يضعونها في صفوف تشبه طابور الجمعية‏,‏ برغم أنها منطقة اللوج وهي الأغلي‏50‏ جنيها‏.‏

ـ بابتسامة أقوي وأعرض يمر عدد من الموظفين حاملين حيوانات لدفع الأطفال للتمتع والتصوير معها للذكري الخالدة‏,‏ وتحت تأثير بكاء الأطفال تقرر أخذ صورة‏,‏ يتلقفك الموظف بسرعة يضارع فيها البهلوان دون أن تدرك ما يحدث‏,‏ أو السعر المطلوب‏,‏ وتفاجأ بأنك دفعت مئات الجنيهات‏.‏

ـ بابتسامة يدخل الحلبة لاعبو أكروبات اقتربوا من سن المعاش‏,‏ خارت عضلاتهم‏,‏ وتدلت كروشهم في محاولة التشبث بزمن مضي‏,‏ وبابتسامة تدخل لاعبات بخطوات تهز أرجاء المكان‏,‏ لكونهن من أصحاب الوزن الثقيل‏,‏ لا تستطعن السيطرة علي رجات جسدهن حينما تتمايلن مع المزيكا‏.‏

وبابتسامة نخرج من السيرك داعين من يعاني أمراض القلب المزمن والضغط بالذهاب إلي هناك والبقاء لله مقدما‏.‏