السبت، 28 يونيو 2008

عودة الوعي للرجال: عودة الوعي للرجال: أطفال الليل

الخميس، 26 يونيو 2008

عودة الوعي للرجال: مجموعة رغبة إمرأة ميتة

عودة الوعي للرجال: مجموعة رغبة إمرأة ميتة

يسرني معرفة رأيك حتي لو خالفني

عودة الوعي للرجال: أطفال الليل

عودة الوعي للرجال: أطفال الليل

يسرني معرفة رأيك حتي لو خالفني

عودة الوعي للرجال: قصة ضياع العمر بجريدة الوفد

عودة الوعي للرجال: عودة الوعي للرجال: عودة الوعي للرجال: قصة " مستر عبدو الغفير "

عودة الوعي للرجال: إختفاء القاهرة " رواية جديدة للكاتب أحمد خيري

عودة الوعي للرجال: قصة "يا روح ما بعدك روح"

عودة الوعي للرجال: قصة "يا روح ما بعدك روح"

يسرني معرفة رأيك حتي لو خالفني

قصة "يا روح ما بعدك روح"

الحلم يباع ..
ولكن الروح لا تشترى

يا روح ما بعدك روح

على مدار ثلاثة أشهر وأنا احتمل من زوجتي،ما يصعب على نفر أن يطيقه من أهل القرية،لذعات وإهانات من لسان أشد حدة من موس حلاقة الأوسطى شحتة الحلاق،ولكن ما باليد حيلة فهي ولية نعمتي ومن عائلة غنية ومتجبرة..
حتى لا أترك نفسي لأحبال الكذب من بداية الحكاية، كان الفدان الزراعي الذي دسه أخواتها،والجلابيب الصوف المستوردة، دافع قوي للصبر وتبلد المشاعر وسماكة الجلد..
وإحقاقا للحق كنت محل حقد من أهل القرية،ألمح في عيونهم استكثار النعمة، وفي أيديهم وألسنتهم وهم يتغامزون ويتلامزون على العبيط الذي شال الشيلة، الكل يلمح "خلسة" بأن أهلها ابتاعوني ليدارون مصيبتهم..والخلسة ليست خوفا مني فأنا فلاح غلبان مستأجر،ولكن كان من جبروت أهلها.
رغم ذلك فهم أناس طيبون لم يكتشفوا يوما بأني عبقريتي .. حتى بعد إرتكابي المصيبة التي سوف أقصه عليكم تفاصيلها ، والتي يبين حنكتي في اتقاء شرها،بعد أن صارحتني بضرورة تركها .. وكلما تلكأت في ترك ذلك العز ، شممت منها رائحة تهديد ووعيد ، ولكن عندما تتعلق المسألة بروحي "فيا روح ما بعدك روح"..
يمكنني أن أطفح لكم بكل ما في جوفي .. ولكن بعد الحصول منكم على عهد،أن تقذفوا كل ما تسمعوه مني في بير عميق ليس له قاع ،لأنني بصراحة أرتعد أن تصل إلى أسماع أهل زوجتي فيسارعون بقتلي، لذا أنا حريص على كتمان هذا السر حتى الممات..
في البداية الكل يعرف بأنني أقطن معها في دوار واسع ورثته عن الحاج والدها.. من الطوب اللبن مدهون من الخارج باللون الأحمر،وعلى بعد خطوات منه توجد زريبة للبهائم.
وحتى لا تفهمونني خطأ ، فقد تفتقت عبقريتي عن خطة الخلاص منها ، يوم أن ألمحت لي عن نيتها بالخلاص مني مثل زوجها السابق،ليلتها فقط نشطت الفكرة،وكانت ليلة شتوية.. هل تدركون حال قريتنا في مثل تلك الليالي .. تخيلوا سماء لم تتوقف عن البكاء طول يومين متاليين ، وكلاب تعوي وهي تلاحق الحرامية الذين ينشطون في مثل هذه الأوقات،وفوق كل ذلك عتمة مخيفة تضرب كل شيءبالقرية بعد انقطاع الكهرباء..
في هذا الجو المخيف تسللت على درجات سلم الدار،برشاقة لا تتناسب مع كرشي المدبب وقامتي القصيرة المدكوكة.. ولكن إصراري على الاحتفاظ بالفدان والجلابيب،دفعني بأن أمر عبر أكوام القش وعيدان الحطب المرصوص فوق سطح الدار،كأمهر بهلوان يمشي فوق الحبل داخل سيرك البندر ..
وفي ثوان معدودة وصلت إلى فوهة فتحة في سقف حجرة نومها،وفي حذر شديد انتزعت الغطاء الذي يسدها،وعلى مهل مددت رأسي لأتيقن من أنها تغط في النوم،بالكاد لمحت في الضوء الواهن الصادر من مصباح جاز معلق بالقرب من سريرها العتيق ذي الأعمدة النحاسية،سحنتها التي لا تختلف كثيرا عن سحنة " السيد قشطة"، وشخيرها المتدفق من زلومتها التي تستعملها في توجيه الإهانات باستمرار،فتأكدت من أنها ميته أقصد نائمة.
تناولت من " سيالة " جلبابي بعض الحصى الذي اصطحبته معي، في أول حصوة لم أفلح في إصابة هدفي ،فتبعتها بعدد آخر حتى أصبت جسدها مبعثر الأجناب والأرداف.
انتفضت وهي تفرك عيناها بيد،وبالأخرى تكبس شعرها الذي يضارع في شكله ليف النخيل، لم أمهلها وقت للتدبر، فسارعت باستجماع شجاعتي وقواي وسعلت بقوة في صوت يشبه نبرات المرحوم زوجها السابق، وأنزلت من الفتحة إحدى ساقاي بعد أن دهنتها من تراب الكانون بلون أسود ،وبكل قوتي رددت عليها :-
- أنا جاي أخلص الناس منك .. بقي تقتليني
- مين .. يا حافظ أحفظ .. انصرف .
- هأقتلك وأخلص الغلبان جوزك.
لم تتحمل المفاجأة وبأعلى صوت لديها دبت وأغمي عليها..قبل أن يفيق أحد من أهل الدار،هرولت عائدا بنفس الرشاقة،إلى الحجرة التي تعزلني فيها منذ ليلة الدخلة،حجرة ضيقة غير مدهونة، في نهاية الدهليز بالقرب من زريبة البهائم.
بعد أن مسحت ساقاي وغطيت رأسي باللحاف، شعرت بحالة من الهرج في الناحية الأخرى من الدار.. تعمدت بأن يتصاعد شخيري ويصل لكل من بالدار،بعد فترة وجيزة أيقظني إبنها من زوجها السابق وهو يرتعد من الخوف ،فخرجت حافي القدمين في لهفة مصطنعة ،وقتها كانت زوجتي مازالت تغمغم بكلمات لا يفهمها أحد غيري..
لمحت في هيئتها شخص آخر غير زوجتي المتجبرة ، وجه غسله البكاء بأكوام من الكحل ، ورعشة شديدة في جسدها،انتفضت على أثرها أكوام الشحم .. ووجدت دموعي بحسبة بسيطة تنهمر وأطرافي تتشنج خوفا على زوجتي ..
سعت تجاهي بعد أن أنساها الخوف حقنة السم التي حقنتني بها قبل النوم في الوريد،أشرت إلى الابن أن يروح إلى حجرته،حتى يمكنه الاستيقاظ مبكرا للحاق بمدرسته،وأمرت الخادمة وبناتها بالخروج،وحينما خلا المكان سألتها في مسكنة:-
- مالك يا أغلي الناس.
بكلمات مدغدغة ..
- عفريت المرحوم ناوي يقتلني .
- يا شيخة عفريت إيه .. دا كابوس
- والله شوفته.. وكلمته
أشارت بيديها المكتنزة إلى فتحة السقف،ولكنها انصدمت حينما رأتها مسدودة بإحكام ،فعقد لسانها الأطول من الكرباج وأخذت تقسم برأس أبوها .
في هذا الوقت تجلت عبقريتي،وتفتقت عن حيل وتفانين ،جعلتني أقنعتها بأن ما رأته كابوس وتأنيب ضمير.
في تلك الليلة رجتني وتذللت إلي بأن أغفو بجوارها لأول مرة على السرير ، ولكني اختلقت الحجج حتى أعطي نفسي فرصة استكمال مخططي .. تسللت بعد أن نامت قاصدا حجرتي، وسط فرحة عارمة بما حققته عبقريتي..
قبل أن يعم نور الصبح القرية كان الخبر قد انتشر ، مزركشا بتفاصيل وضعتها الخادمة بما وسعها من تخيلات .. لم يصادفن نفر في الطرقات والحواري حتى أوقفني وألح علي لمعرفة الحقيقة،وحتى أتخلص منهم ،كنت أقسم لهم بأن زوجتي سليمة ولكن الواضح أن الجن مسها أو خاواها..
حل الليل وجاء الأخ الأكبر بجسده الفارع،مصطحبا معه زوجته وأولاده السبعة،كادت رأسه الملفوفة بشال أبيض ضخم،أن تلتطم بفوهة الباب من أعلى،وبعد أن أطمأن على أخته،راح إلى الكنبة العتيقة القريبة من الفرن،جلس مستندا على مخدة كبيرة أحضرتها الخادمة من حجرة زوجتي .
انقضت الليلة بين لسعات لسانه الذي لا يقل حدة وطول عن لسان أخته،ودخان الجوزة الذي مكث يعب منه حتى أصابني بدوار، متباهيا بشاربه الذي يقف عليه الصقر، ولأنني عبقري أظهرت له رثائي على زوجتي،متحملا كل الإهانات حتى مضي إلى داره ..
سبقت زوجتي إلى حجرتي مدعيا الإرهاق والتعب،وحينما جاءت لتوقظني ادعيت النوم العميق،فما كان منها إلا أن نعتتني بعدد من الطلقات السامة،وأغلقت خلفها الباب بشدة وراحت إلى حجرتها .
أنتظرت حتى هل منتصف الليل ، تسللت بخفة وسط ظلمة تحيط بالدهليز ،حتى وصلت إلى باب حجرتها،وبمجرد أن واربته بهدوء هاجمني شخيرها المتقطع،مما جعل الاطمئنان يدب بداخلي ، دلفت بحذر شديد حتى وصلت بالقرب من سريرها،أطفأت اللمبة الكيروسين واستلقيت تحته..
نسيت أن أصارحكم بأنها هي التي تصرف على البيت من ميراثها،لذا كنت أخاف بأن تطلقني،فأعود مرة أخري للعمل مستأجرا في الحقول ..
في أثناء ذلك انفلت جسدها الضخم وأنقلب تجاهي،حتى كادت تقسم ظهري نصفين،حاولت رفع خشب السرير من أسفل عددا من المرات،حتى سقط لوح متواجد أسفل رأسها،انتفضت على أثرها مذعورة صارخة بأعلى صوت :-
- عفريت .. عفريت .. عفرييييت
هرولت متخبطة في عتمة الحجرة،حتى وصلت إلى دهليز الدار حافية القدمين وبشعر منكوش،صدمها الظلام الدامس الذي يحيط بالدار،انطلقت تتخبط حتى وصلت إلى حجرتي،قابلتها على الباب رابضا على ذراعيها،ارتمت على كتفي وهي ترتعش وتنتفض من الخوف.
استيقظ كل من في الدار،حتى البط الساكن بجوار الفرن الموجود في آخر الدهليز..
أسرعت ناحية حجرتها في ضوء اللمبة التي أحضرتها الخادمة،بحثت عن العفريت التي تأكد رؤيته ووجوده،وأمام الجميع وبعبقريتي المعهودة أثبت لها بأن كل ما تراه أوهام وكوابيس.
ظلت فترة تتلفت وتقسم بأغلظ الأيمان،وبعينين مذهولتين زائغتين أخذت تتلفت،وتتصنت على أصوات الرياح أثناء اصطدامها بالحطب المرصوص فوق سطح الدار ..
ليلتها قبضت على ذراعي بيديها الغليظتين،وأمام إصرارها ألقيت بجسدي الضعيف على سريرها .. وحتى أكون صريحا كانت تلك الليلة صعبة ،فقد أضعف خوفها عزيمتي،وكدت أتراجع عن نيتي وأفتح معها صفحة جديدة،لولا ما رأيته في صباح اليوم التالي ..
رأيت عادل أفندي مدرس إبنها داخل حجرة الضيوف،يربت بيده على كتفها،وهي تحكي وتبكي مما أصابها من رعب،دفعني ذلك لتذكر تلك الليلة الكئيبة،ليلتها رجعت إلى الدار ورأيت ما رأيت،أرجوكم لا تسألوني عن تفاصيل ما لمحته،حيائي يمنعني من البوح .. ولكن كل ما يمكنني قوله،هو أن أحكي لكم عن عبقريتي في تلك الليلة.
وقتها لم يكن قد مر على زواجنا غير شهر،كنت قادما من ناحية الجرن،وسط برك من الطين،لمحت ترباس باب الدار مفتوح،وإضاءة المصباح الباهتة تتسرب من فتحات شباك حجرة الضيوف،تيقنت من وجود أغراب،وقفت بجوار الباب الكبير لأخلع حذائي المغسول بالطين،تنامت إلى سخسخات وآهات زوجتي .. مددت رأسي ..فرأيت ما رأيت ..
- لو كنتم مكاني ماذا ستفعلون ؟
لولا عبقريتي لاندفعت مثلكم،وعملت مثلما فعل زوجها المرحوم حينما رأي ما رأيت،والنتيجة تعرفونها فلم يمهله القدر حتى الصباح،ففي آذان الفجر قامت ميكروفونات الجوامع تنعي الفقيد ..
ولأنني ذكي وعبقري،تراجعت إلى الطين والشتاء المنهمر في الخارج،فيا روح ما بعدك روح،وبقيت أكثر من ساعة محتميا بحزم الحطب المرصوصة في أحد أركان الجرن حتى خرج عادل أفندي،استجمعت كل قواي ودخلت مبتسما على زوجتي وكأنني لم أر شئ ..
زادتني تلك الذكريات إصرارا على تنفيذ مخططاتي للنهاية،في الليلة التالية حينما سمع أخوها حكاية العفريت،أصر على إحضار الشيخ مبروك،ليخرج من جسدها الجان،ولكن بحيلي المعهودة توسلت إليه حتى ينتظر.. فوافق على مضد خشية الفضائح .
بعد أن خلد الجميع إلى النوم،تصنعت بأنني غفوت بجوارها،ولكن الحقيقة أن صورة عادل أفندي كانت تقلقني،قبل أن تنام بقيت فترة ملتصقة بي من الخوف،حينما تعالت زلومتها بالشخير،تسللت إلى حجرتي لأحضر كيس من القماش،بهدوء أخرجت منه ثعبان،كنت قد اشتريته من أحد الكفور القريبة،بعد أن نزعت منه الأسنان و اللسان،أطلقته بجوارها،وبحركة عفوية مددت قدمي ولكزتها بقوة عدة مرات،لم تمر دقائق حتى وجدتها في وسط الحجرة تصرخ وتولول ..
- تعبان .. تعبان
انتفضت ورحت لأرفع إضاءة المصباح حتى أرى الثعبان،ولكن اللمبة أطفئت وعمت العتمة..
تدحرجت زوجتي إلى الدهليز حافية وكتل اللحم المترهل تتطوح ،أحضرت المصباح الموجود في الخارج،دخلت معها للبحث عن الثعبان،فلم نجد له أثر.
في الصباح تحولت القرية إلى خلية نحل،الكل يطن ويزن بأن زوجتي بنت الحسب والنسب أصبحت مجنونة .. بصراحة أشفقت عليها،ولكن ما باليد حيلة فيا روح ما بعدك روح ..
في ذلك اليوم أصرت عائلتها على اصطحابها إلى المصحة النفسية في البندر،حتى لا تتدهور حالتها الصحية،لم تشفع توسلاتي ورجواتي فوافقت على مضد ..
ظللت طوال اليوم أواسي زوجتي،لم تتوقف عن البكاء والنحيب والتحدث مع نفسها،بعد أن فقدت قدرتها على التميز عن تحديد الحقيقة من الجنون.
أما أهل القرية فقد قضوا يومهم بين المجيء والذهاب للاطمئنان،أو بالأصح للتأكد مما سمعوه،قبل إرسالها للمصحة النفسية في صباح اليوم التالي ..
في تلك الليلة جاءت ليلة الفصل،استجمعت شجاعتي وقواي لأنهي المخطط،بكل عبقرية وبراعة بقيت بجواري زوجتي حتى قبل آذان الفجر..وعندما تأكدت من نومها، كان لا بد أن أنهي الحكاية بعبقرية فذة،لن يتوصل إليها أغبياء القرية.
أثناء استغراقها في النوم،فككت فوهة المصباح وسكبت منه الكيروسين، وقبل أن تفيق من غفوتها،كنت قد أشعلت فيها النار،بعدت عنها مسرعا إلى حجرتي،وظلت تصرخ في الدهليز وسط النيران،تجمع على آثرها أهل القرية،فتحت الباب الخارجي حتى يلمحني الكل،وأنا أحمل اللحاف بين يدي،لأطفئ النار التي تمسك بها،ولكنها كلما كانت تراني تسرع مبتعدة لأنها رأتني وأنا أشعل النار ..
كانت قد قاربت على نهايتها،ففتحت باب الدار لأهل القرية الذين اندفعوا ليساعدوني على إطفائها،ولكن السر الإلهي كان قد خرج ..
ومن يومها وأهل القرية يشفقون على،وأهلها تركوا لي بعض ميراثها ..



الأربعاء، 25 يونيو 2008

عودة الوعي للرجال: إختفاء القاهرة " رواية جديدة للكاتب أحمد خيري

إختفاء القاهرة " رواية جديدة للكاتب أحمد خيري

صرح الكاتب أحمد خيري في جريدة اللواء أنه بصدد نشرالإنتهاء من طباعة رواية جديدة له أطلق عليها " نهاية القاهرة " خلال الشهرالقادم ، يعالج فيها الظواهر الغريبة التي دخلت على المجتمع المصرى بطريقة أسطورية وأدت إلى إندثارها ॥تصدر هذه الرواية عن نفس دار النشر التي طبعت له مجموعته الأخيرة ॥تأتي هذه الرواية عقب النجاح الذي حققته مجموعته الأخيرة " مدينة الحريم " التي تستعد دار النشر إلى طباعة طبعة خاصة منها للمشاركة بها في المعارض الدولية مع ترجمتها للإنجليزية .. حيث قال محمد عبد العال مدير دار النشر ، بأن الدار تلقت عدد من العروض بإعتبارها صاحبة الحق في المجموعة القصصية " مدينة الحريم " بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية .. بعد النجاح الذي حققته على المستوى النقدي والجماهيري ..وهناك العديد من الأخبار علي مدونة الكاتب

الثلاثاء، 24 يونيو 2008

عودة الوعي للرجال: أطفال الليل

عودة الوعي للرجال: أطفال الليل

يسرني معرفة رأيك حتي لو خالفني

عودة الوعي للرجال: عودة الوعي للرجال: قصة " مستر عبدو الغفير "

عودة الوعي للرجال: قصة " مستر عبدو الغفير "

عودة الوعي للرجال: قصة " مستر عبدو الغفير "

يسرني معرفة رأيك حتي لو خالفني

عودة الوعي للرجال: أطفال الليل

عودة الوعي للرجال: أطفال الليل

يسرني معرفة رأيك حتي لو خالفني

قصة " مستر عبدو الغفير "

وسط الأضواء ..
تزوغ العيون ..
ويفقد الاتزان ..

مستر ( عبده ) الغفير

عمت حالة من العصيان بين رجالات القرية ، الكل عقد النية على عدم السعي إلى الحقول ، الكل يفترش الطرقات المحيطة بدوار العمدة ، وفي نهاية النهار الكل يساق مكرها إلى داره ، كل ما يفعلونه هو اللمة في حلقات متقطعة ، يلعنون فيها الفقر والجهل الذي حدفهم في أحضان زوجات لا يتخيرن عن شجر الجميز ، وفي ليالي السمر يتسرب منهن رائحة روث الحيوانات.
نساء القرية تجمعن أمام عتبات الديار ، يتشاورن وينصبن المكائد للحصول على خرقة ملابس من ريحة الست " ماريا " زوجة ابن العمدة ، ليتفتق جبروت الشيخة لواحظ ، وتدفع عفاريتها ليطاردنها في الأحلام ، لتفر عن ديارهن تاركة لهن بقايا الرجال.
ثلاثة أيام مروا والنعاس يجافي القرية ، الرجال يرتعدون حتى لا تضيع عليهم لحظة ، يمكن أن يروا فيها الست " ماريا " ، وهم الذين ينتظرون إطلالتها المباركة من عام لآخر ، تمر عليهم الأيام في ملل وقلق ، وتجيء لتمكث بينهم أسبوع أو أثنين.
أما ما جري للغفير (عبده) فكان أعتي وأشد ، فهو الغفير المؤتمن الذي يلتصق بها مثل صمغ السنط ، يسندها حينما تهم بامتطاء ظهر الحمار ، ويهز رأسه في ثقة لدس الطمأنينة حينما تصرخ مخافة السقوط ، و يبرم طرفي شنبه عندما تبتسم له شاكره حمايتها من رذالة أطفال القرية العفاريت.
أما في الليل يتهادى في خيلاء وسط حواري القرية شادا قامته القصيرة ، فكل رجال القرية عجائز وشباب يتمنون له الرضا ، وبعد إلحاح منهم يوافق على الجلوس بينهم على الغرزة ، يحمل كل منهم كرسيه ومن لا يجد مكانا حوله يفترش الأرض ، يرتشف على حسابهم كل أصناف المشروبات الساخنة والباردة ، التي لا يذوقها إلا من العام للآخر.. وبعد إلحاح ودس علبة سجائر ماكينة في سيالة جلبابه ، يتنطع في جلسته بعد أن يملي عليهم الشروط وعدم المقاطعة ، ثم ينبري في القص والحكي عن صولاته وجولاته مع الست ماريا ، أغلبيتها يحاك من بنات أحلامه وأمنياته ، الجميع ينصتون وكأنهم سكارى ، يفتحون أفواههم دون حراك أو تعليق رغم أنهم سمعوا هذه الحكايات منه بألوان شتى مئات المرات ، وكلما وصل إلى وصف شعوره وهي تلطع على خديه قبلة حارة عندما تجيء من السفر وحينما تغادر ، يضربون صدورهم ويكادون يشقون جلابيبهم المتهالكة.
كل ما فات كان من اليسير أن يحكيه لأهل القرية مرشوشا على وجهه بعض التوابل ، ولكن هناك واقعة جرت الليلة الماضية ، أغرب من أن يصدقها عقل ، حرص على ألا يعلمها نفر من القرية .. جرت تفاصيلها في الليلة الثالثة من قدوم الست ماريا إلى القرية ، وبالتحديد بعد أن خطف ثلاث ركعات المغرب في المسجد القريب ، ساعتها فضل أن يسلك المدق المجابه لشباك حجرة نومها ، لعل الحظ يحالفه ويملي ناظريه منها.
حينما وصل إلى الدوار لمح حضرة العمدة وشيخ البلد يجلسان في دهليز الدور الأرضي ، أدار مقلتيه البارزتين لتنقب في أنحاء الدار ، مسح بأذنيه وحاسة الشم الحجرات ، بأنفه وعينيه أدرك خلو المكان من الست ماريا وزوجها ، وبحسبة بسيطة أيقن أنهما صعدا إلى حجرتهما بالدور الثاني هربا من لدغات الناموس اللزج .
بدون استئذان تسلل في بطىء شديد متدحرجا بقامته المدكوكة وكرشه المتضخم ، صاعدا درجات السلم المقامة من الطوب اللبن وجريد النخل، أرسى شراعه على أريكة من خشب التوت ملقاة في أحد جوانب دهليز الدور العلوي .
انتظر برهة خروج ماريا من حجرتها، لتوميء إليه بالإشارة ليتم مهمته المعتادة في رش مسحوق الناموس الذي جلبته معها من بلاد برة ، ولكن البرهة طالت وتحولت بمرور الوقت لقلق دفعه للتقلب في جلسته ، وكلما طالت أحس بأسراب من النمل الأبيض تزحف داخل أطرافه ، ودبابير سوداء تحوم وتطن في أركان رأسه الملفوفة بشال أبيض لا يغسله إلا من عام لآخر ..
- الله يخزيك يا شيطان.
كان وقع الانتظار صعبا على مستر عبده ، جعله يفقد الإحساس بلدغ الناموس الذي يتعارك للفوز بدم قدميه العاريتين ، والنية بداخله تتصارع وتقوي وتتضخم ، والرغبة تدفعه لإتمام ماخطط له ، دافعا تكونت أطرافه من أحلام وأوهام اجترها عبر ثلاث ليال ماضية .. والليلة حان وقت تنفيذها ، ولن يترك نفسه حبيسا للخوف من بطش العمدة إذ ما تم ضبطه متلبسا.
كل ما كان يراوده هو حلم اختلاس النظر إلى ماريا وهي ممدة بجسدها " الملعلط " الأبيض مثل قشدة الجاموسة ، فوق السرير النحاسي الموجود في حجرتها المدهونة باللون الأحمر .
- الله يخزيك يا شيطان.
انتفض (عبده) من مكانه ليبعد وسواس الشيطان ، أخذ يروح ويجيء أمام السلم ، ولكن في نهاية المطاف استسلم للتفكير في الخطة ، التي قضى الليالي يرسم فيها ، لتفادى الوقوع في المحظور ، وضبطه في حالة تلبس وهو يتطلع من الفتحات التي ملأت باب الحجرة العتيق.
جاءت لحظة التنفيذ ، حينما تناهى له صوت المؤذن وهو ينادي لصلاة العشاء ، وحضرة العمدة ينادي على ابنته لتجلب إبريق الماء ، يجدد وضوءه ويصطحب شيخ البلد كالعادة إلى المسجد ، وتخلوا الدار من صنف الرجال ماعدا ابن العمدة الغاطس في بحر اللبن.
- مالك يا مدعوق هتوقع علينا السقف .. مش تيجي تصلي معنا.
- جاي وراك يا شيخ البلد.
كل ما كان يخشاه عبده ويعمل له ألف حساب ، أن السقف يفضح أمره، فهو عروق من أفرع التوت مشدودة بين الحوائط ، تربط بأعواد من البوص وجريد النخيل .. حينما يمر فوقه شخص يظل يلب ويصدر أصوات تفضح حركة الأقدام.
شب عبده على أصابع قدميه ، أطل برأسه التي تشبه في حجمها رأس العجل ، من بين عروق البلكونة ، لمح حضرة العمدة وشيخ البلد وهما يقصدان الباب ، سرت الطمأنينة في قلبه بعض الشيء، ولكنه كان اطمئنانا يشوبه الخوف من زوجة حضرة العمدة ونساء العائلة المرصوصين في دهليز الدوار، ويمكنهن اكتشاف فعلته.
- الله يخزيك يا شيطان.
رددها عبده بعد أن أحبط الخوف همته ودفعه للجلوس مرة أخري على الأريكة ، ولكن الفكرة الجهنمية ظلت تطارده حتى سيطرت عليه مرة أخرى ، دفعته صورة شفتا ماريا التي تلطع بهما القبلات على خدود رجال العائلة دون حياء بأن ينتفض من مكانه ويخاطر ، رغم أن مصيره معروف إذا ما تم ضبطه ،علقه ساخنة في حجرة التليفون ، وفضيحة بين أهل القرية بعد أن يتهمه العمدة بسرقة البهائم ، وفي النهاية عزله من العمل وقذفه خارج القرية بصحبة أولاده.
- الله يخزيك يا شيطان ..
خلع عبده حذاءه القديم الذي منحته له ماريا ، أمسك طرف جلبابه بأسنانه ، خطى على مهل معتمدا على أصابع قدميه ، ملتصقا بالحائط لكونه المنطقة القوية من السقف .. كانت مشيته أقرب لزحف الأوز ، حتى وصل إلى باب الحجرة ، وسط إضاءة مخنوقة للمبات جاز معلقة في أركان الدهليز ، دس أنفه وعينيه الضيقتين في فتحة من فتحات الباب ، في بادي الأمر لم ير أحد داخل الحجرة ، لأن الظلمة كانت تضرب أركانها، أنتقل إلى فتحة أوسع ولكنه فشل أيضا في رؤيتها ، فتنهد كاتما أنفاسه مخافة أن تسقط السقف .
تكون لديه يقين من نومها على السرير ، شب حتى وصل إلى فتحة أعلى الباب واسعة ، عسر كل قواه وركز نظره لكي يتمكن من رؤيتها داخل العتمة , لمح شيئا أبيض ملقي في استهتار فوق السرير ، اجتاحه شعور بأنه لا بد أن جسدها الأبيض الذي يبرز من ملابسها حينما تسير وسط حارات القرية ، أكدته الرائحة الرقيقة الفواحة من الداخل ، التي غطت على رائحة مبيد البراغيث والحشرات المرشوش في أرضية الدار.
لمح جزء أبيض يتدلى على جانب السرير ، أدرك أنه لا بد أنه ساقيها وتستعد للنزول ، فهاتين الساقين يعرفهما جيدا وطالما قبلهما في الحلم ، ساقان دفعا شباب ورجال القرية إلى اعتزال الفلاحة في الحقول ، والتسكع بالقرب من دوار العمدة لعلهم يظفرون بنظرة منهما .
بعد لحظات رأى الجسد الأبيض يشوبه لونا أحمر ، دب بداخله شهوة عارمة حينما تخيلها وهي تنتصب أمامه بقميص نومها ، تتمطى في بطء وتثاؤب ، تغازل شعرها الذهبي الناعم بيديها البيضوتين .
تحرك هذا الجسد الأبيض ذي الحمرة في اتجاه الباب ، داهمته صدمة ودوار أوقعه في حيرة ، إذا جاءته الجرأة وهرول مبتعدا عن الباب ، سوف يهتز السقف وتفضحه آثار أقدامه ، وفي حالة تسمره أمام الباب فمصيره معروف .. أصابته الصدمة بالحيرة لثوان معدودة ، مرت عليه كأنها قرون ، لأنه تخيل نفسه وهو مجرور بين يدي الغفر إلى حجرة التليفون .
تفصد وجهه المنفوخ ببرك عرق ، كادت من تدفقها أن تتسرب إلى الدور الأرضي وتغرق النساء ، ولكن الحظ حالفه حينما حاد الجسد الأبيض وبدل وجهته قاصدا شباك الحجرة البعيد..
لم ينفك يذهب عنه الخوف ، حتى هاله صوت وقع أقدام تصعد درجات السلم ، مصحوبة بصيحات تهليل وضحكات.. حاول القفز من مكانه ولكن لم تسعفه قدماه ، شعر بأنهما أكياس رمل وجبس ، توقفت هذه الحركة على السلالم ، اقنع نفسه بأنها لأحد الأطفال ..
- الله يخزيك يا شيطان ..
قبل أن يعاود تلصصه ، جاءت نسمه خفيفة أطفأت إحدى المصابيح ، ذكرته بالنصيب الذي حدفه بزينب مراته الملعونة ، مازالت فعلتها ليلة الخميس الماضية عالقة في ذهنه ، حينما داعبها أثناء التهام وجبه العشاء، وغمز لها بعينيه حتى لا يفهمه الأولاد.
- أخمدي العيال لحد ما أروح اشرب نفسين جوزة وأرجع بسرعة ..
ولكن نفس الجوزة سلم لنفس آخر وتأخر عبده ساعة كاملة ، بعدها رجع وهو يفكر طول الطريق في ليلة الخميس ، حتى وصل إلى بيته فسمع شخير زوجته يغطي على نهيق حمير القرية كلها ، ليلتها فتح باب الحجرة وكان الجو مظلما ، بحث عن زوجته الملقية مثل زكيبة الذرة وسط حفنة من الأولاد المنثورين حولها فوق ظهر الفرن ، أصطدم بهم حتى وصلت يده إلى باطن قدمها المتسختين ، ولكن ما كان عليها إلا أن انقلبت ، حاول عددا من المرات ولكن النتيجة ..
- نام يا راجل أختشي العيال ..
- الله يخزيك يا شيطان ..
عاود عبده الكرة ومد أنفه وعينيه داخل الفتحة ، سمع آهات بحث عن مصدرها ، شعر بأن الجسد الأبيض يتحرك نحو السرير ، لمح شيئا أسود بجواره ملقي جزء منه على السرير وجزء آخر يلامس بأطرافه الأرض .. أدرك بأنه جسد ابن العمدة المحظوظ ، وفي ثوان كان الجسد الأبيض يصعد فوق الأسود..
- الله يخزيك يا شيطان .. أعوذ بالله ..
انتفض عبده مذعورا مبتعدا عن الباب ، متخلصا من الخوف الذي كان يتملكه ، أثناء نزوله لصلاة العشاء ، فوجئ بأن ماريا وزوجها هما اللذان جاءا ويجلسان مع نسوة الأسرة ، ولم يكونا في الحجرة ..





عودة الوعي للرجال: رغبة إمرأة ميتة

الاثنين، 23 يونيو 2008

عودة الوعي للرجال: ‏مدينة‏ الحريم

عودة الوعي للرجال: عودة الوعي للرجال: حب للأبد

عودة الوعي للرجال: حضرة العمدة

عودة الوعي للرجال: حب للأبد

الخميس، 19 يونيو 2008

حضرة العمدة


وسط الضباب ..
تسكر العقول ..
وتغيب الأدوار ..


حضرة العمدة

‏في ليلة صيفية لم تنخلع تفاصيلها من أدمغة أهل القرية حتى الآن ، بعد تأديتنا لصلاة العشاء ، هلت إلى آذاننا صرخات وعويل ، إجتهدنا في البداية للتعرف على مصدر انطلاقها فلم نفلح ، لأن منابعها متفرقة .. مترامية .. مبعثرة بين حواري وأزقة القرية ، لم ينتظر الأطفال حتى يرتدوا الأحذية ، حملوها بين أيديهم عند باب المسجد وانطلقوا.
وما كانت إلا دقائق وقد ارتد بعضهم وأخبرونا بالمصيبة التي حاقت بقريتنا .. عرفنا بأن هناك مشكلة عويصة لا أول لها ولا آخر .. فاقت في وقعها عدد الجرحى الذين التهمهم انفجار "وابور" الجاز‏ داخل المضيفة ..
إحقاقا للحق وقبل أن تقع هذه المصيبة.. لم تكن تسمع‏ لأهل قريتنا ‏صوت‏ ‏ولا زعيق‏ ‏.. فكل الدلائل تبرهن أنهم‏ ناس‏ ‏طيبون مسالمون .. أغلبية رجالها هجروها من زمن بعيد ‏، لأنهم أناس كسيبة وهمهم الأكبر تكنيز المال والذهب في أيد زوجاتهم .. فشدوا الرحال إلى‏ ‏دول‏ ‏النفط .. وأما الفئة التي لم تهاجر فقلوبهم ضعيفة لا تقوي على تحمل الغربة ، تجدهم قانعين خانعين ، بالنهار مربوطين بالغيط يساعدون النساء والأطفال والعواجيز في زراعة الأرض وتربية البهائم ، وبالليل يهربون من ألسنة نسائهم الحادة إلى الغرزة الوحيدة المنصوبة بالقرب من المقابر .. وفي العادة تنفض حواريها من أي نفر بعد صلاة العشاء.. ‏لذا‏ ‏لم نر يوما شجار إلا بين النسوة ، وهي شجارات لا تصل لحد المشكلة المستعصية التي وقعت تلك الليلة.‏
حينما جاء إلينا الأطفال بالخبر اليقين عند الجامع ، علمنا بأن المشكلة العويصة تمخضت بسبب ما جرى لحضرة العمدة الذي تولي منصبه منذ أسبوع فقط .. وقتها من استطاع الجري قفز وأسرع ومن تحمله قدماه بالكاد من الشيوخ والعواجيز فضل ركوب الحمار ، فالكل يعترف بأن كرامة حضرة العمدة من كرامة أهل القرية ، ونحن لن نسمح بأن يتحول شرفنا إلى لبانة تمضغها ألسنة أهل القرى المجاورة في مجالسهم ..
ورغم ما أصاب أهل قريتنا من انشقاق على ما جري لحضرة العمدة ، إلا أن المصيبة في النهاية وحدتهم .. ففريق الشيوخ والعواجيز ، تشعرك نبراتهم‏ ‏ ‏بصدي‏ من الشماتة وهم يمصمصون شفاههم بالحسرة على أيام زمان وعمد زمان:-
‏- تستاهل ..
أما الفريق الثاني فكانوا نسوة القرية .. ارتسمت ‏‏على‏ ‏وجوههن إمارات الشفقة‏ وهن يقلن:-‏
‏- ‏والله‏ بألف‏ ‏راجل
وحتى تتمكنوا من تكوين فكرة حقيقية وتتخيلوا‏ صعوبة ‏ما‏ ‏ألم بقريتنا‏ من فاجعة ‏، نبدأ بمشهد أهل القرية الشامتين ، حينما‏ وصلوا إلى جسر الترعة المارة في نطاق القرية عند الجهة الشرقية ، ‏ارتصوا في حلقات ودوائر‏ ، فوق أكوام من الحصى والتراب استخرجته الكراكة حديثا أثناء تطهيرها للترعة ، تجمعوا ‏حول‏ ‏جثة‏ غريق غريب ‏أوقفتها شبكة الصيد التي يمتلكها المعلم حسين وينصبها عند فوهة الكوبري ، هؤلاء الشامتون انتظروا قدوم حضرة العمدة وسط‏ ‏الأضواء‏ المنبعثة ‏من الكشافات‏ الكهربائية ‏المستوردة‏ ‏ليحل لهم تلك المصيبة.
أما‏ الفريق ‏المشفق‏ من أهل القرية على حضرة العمدة ، ‏لم‏ يجسروا على الاقتراب من الطريق المؤدي إلى الترعة ‏.. فالترعة يعزلها عن ‏القرية أفدنة مزروعة بعيدان الذرة ، ‏لذا فكل ما فعلوا هو أن تجمعوا‏ ‏أمام‏ ‏العتبات‏ ‏ ، ‏يسألوا‏ ‏العائدين‏ ‏عن‏ ‏القتيل‏ .. ‏ويتضرعون إلى الله بأن يكلل ‏ ‏أول‏ ‏اختبار‏ ‏ لحضرة‏ ‏العمدة بالنجاح‏ ، ‏خاصة‏ ‏أن‏ ‏تعيينه‏ ‏جاء‏ ‏رغما عن ‏أنف‏ ‏أغلبية‏ ‏القرية .
‏وحتى لا تتوهموا بأن المصيبة التي حيرت أهل قريتنا هي ‏الجثة‏ ‏الغريبة ، ‏فإن ‏حقيقة‏ ‏المشكلة ليست كذلك‏.‏
عندما‏ ‏شاع‏ خبر‏ الجثة الغريبة‏ ‏بعد‏ ‏صلاة‏ ‏العشاء‏ ‏ ، ‏تسابق‏ الخفراء ‏إلى الدوار ، لإخبار العمدة بالمصيبة ، وعندما سمع بالخبر لعن أجداد القتيل ومن حدفه في زمام القرية ،‏ فالخبر جاء في وقت غير مناسب ، كان‏ ‏العمدة مشغول‏ لدرجة تلهيه عن تلك‏ ‏المصيبة‏ التي حدفها القدر .. ‏
لا يذهب‏ ‏تفكيركم‏ ‏إلى‏ ‏بعيد‏ ، ‏وتحسبون‏ ‏من‏ ‏كلامي‏ ‏بأن عمدتنا‏ ‏كان‏ ‏مشغولا‏ ‏في‏ جلسة ‏للصلح‏ ‏أو‏ ‏في‏ ‏تأدية‏ ‏واجب‏ ‏العزاء‏ ، ‏أو‏ ‏في‏ ‏حضور‏ ‏فرح‏ أو طهور طفل .‏
فكل‏ ‏ما هنالك أنه كان ‏يعد‏ وجبة ‏العشاء‏ ‏لأولاد‏ه ..لا تتعجبوا‏ .. ‏نعم‏ كان يطهوا‏ ليتناول ‏وجبة العشاء‏ وسط أسرته ، ‏لأن‏ ‏الذي لا تدركونه‏ ‏ولا ‏يمكن أن يخطر‏ ‏على‏ ‏بالكم‏ هو أن ‏حضرة‏ ‏العمدة‏ " ‏واحده‏ ‏ست " .
عندما‏ ‏جاءها‏ ‏الخفير‏ ‏بالخبر‏ ، استولت ‏عليها‏ ‏حالة‏ ‏من‏ ‏القلق‏ ‏والتشاؤم .. ‏القلق‏ ‏بالطبع معروف مصدره ، وهو ‏أنها‏ ‏سوف‏ ‏تضطر لترك‏ ‏أولادها‏ ‏بدون‏ ‏عشاء‏ .
أما‏ تشاؤم حضرة العمدة فمنبعه‏ ‏القدر الذي ألقي بجريمة القتل في أول أسبوع من توليها العمدية..
أوفدت‏ ‏حضرة‏ ‏العمدة‏ ‏الخفير‏ ‏الذي‏ ‏أتاها‏ ‏بالمصيبة‏ ، لينادي لها ‏شيخ‏ ‏الخفر‏‏ ، ‏في حين همت بارتداء‏ ‏جلبابها‏ ‏الأسود‏ ‏الكاسي‏ ، ‏ولفت رأسها وجهها بطرحة من ‏الحرير‏ ‏ ‏ ‏جاءتها‏ ‏من‏ ‏الخارج‏ .
أما ‏زوج حضرة العمدة ‏وقتها كان‏ ‏يفترش السجادة الممددة‏ ‏في‏ أرضية ‏المندرة‏ ‏بطوله الفارع ، مرتديا سروالا‏ من البفتة ، وصديري جديد بوجه‏ لميع‏‏ ‏فوق‏ فانلة ‏بيضاء‏ ‏ناصعة‏ ‏..بمجرد أن تناهي إليه الخبر ‏تغيرت‏ ‏ملامحه وتبدل‏ ‏مزاجه‏ ‏وعمته‏ ‏موجة‏ ‏من‏ ‏العكننة‏ ‏والغيظ‏ .. ‏فالمصيبة‏ ‏أوقعته‏ ‏هو أيضا في‏ ‏حيرة‏ ‏شديدة‏ ، ‏الواجب‏ ‏‏‏يحتم‏ ‏عليه‏ ترك‏ ‏الأولاد‏ ‏بمفردهم‏ ، ‏بعد أن ‏كادوا‏ يهمون‏ ‏بتناول عشاءهم‏ ‏استعدادا للنوم‏ ، حتى يلحقوا ‏بمدارسهم‏ ‏في‏ ‏الصباح الباكر.
ولكن‏ ‏لأن‏ ‏الساعة‏ ‏تأخرت‏ فمن عادة أهل قريتنا ‏النحررة والخوف على نسائنا حتى ولو كانت عمدة القرية ، فضل زوجها ألا ‏يتركها‏ ‏تروح‏ ‏بمفردها‏ ‏وسط‏ ‏الرجال‏.‏
لم‏ ‏تمرق غير‏ ‏دقائق‏ ‏معدودة‏ ، وكان‏ ‏شيخ‏ ‏الغفر‏ ‏يقف‏ مزروعا‏ ‏ ‏داخل‏ ‏حوش‏ ‏الدوار‏ ، ‏بجوار‏ ‏مربط‏ ‏البهائم بالضبط .. تتملكه حالة من الحيرة والخوف .. ‏ ‏يتنحنح‏ ‏بصوت عالي ، ويخبط‏ ‏كفا‏ ‏على‏ ‏كف‏ ‏وينادي‏:-
- ‏يا جماعة‏ .. ‏يا حضرة‏ ‏العمدة‏ .. ‏يا‏ ..‏
فجأة توقف عن الكلام .. وأصابته حالة من التلعثم‏ .. ‏احتار‏ ‏بأي‏ ‏اسم‏ ‏ينادي‏ ‏على حضرة العمدة ..
لم‏ ‏يكن‏ ‏شيخ الغفر الوحيد‏ من أهل القرية ‏الذي‏ ‏سقط في دوامة تلك ‏الحيرة‏ ، ‏فكل‏ ‏من‏ ‏حدفه قدره خلال الأسبوع الماضي ‏ ‏بمشكلة‏ أو مشورة ، تستوجب الحضور إلى دوار‏‏ ‏‏العمدة‏ ‏، تجده‏ ‏واقفا في حيرة‏ ‏عند‏ ‏حافة الطريق‏ ‏الزراعي‏ ‏الذي‏ ‏يمر‏ ‏أمام‏ ‏الدوار‏، ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏لديه ‏عشم‏ ‏مثل‏ ‏شيخ‏ ‏الغفر‏ ، يدفعه عشمه ‏ويدفع‏ ‏بوابة‏ الحوش المصنوعة من ‏الصاج‏ ‏ ‏ ، ‏حتى يصل ‏بجوار‏ ‏مربط‏ ‏البهائم‏ ‏ويقف‏ ‏يضرب‏ ‏أخماسا‏ ‏في‏ ‏أسداس‏ ، ‏محتار‏ ‏بأي‏ ‏اسم‏ ‏ينادي .. وحتى لا‏ ‏تتعقد‏ ‏المسألة‏ ‏فقد‏ أبرم أهل القرية فيما بينهم‏ اتفاق ‏غير‏ ‏مكتوب‏ ‏أو‏ ‏معلن‏ بأن‏ ‏ينادون‏ ‏عليها‏ ‏حضرة‏ ‏العمدة‏.‏
أخيرا‏‏ انطلقت ‏حضرة‏ ‏العمدة‏ ‏بجسدها‏ ‏النحيف‏ ‏وقامتها‏ ‏القصيرة‏ ‏وساقيها‏ ‏اللتين‏ ‏لا تختلفان‏ ‏في حجميهما عن‏ ‏ساقي‏ ‏الفراخ‏ ‏.. خرجت وهي تكفن وجهها‏ ‏ذي‏ ‏المعالم‏ ‏الصغيرة‏ ‏بالطرحة ، ‏وبجوارها‏ مشى‏ ‏زوجها‏ ‏بجلبابه‏ ‏الكشمير‏ ‏وشاله‏ الأبيض ‏المستورد‏ ، ‏مشي وهو يشد‏ ‏عوده‏ ‏الرفيع‏ ، ويحبس نفسه فترة حتى ينفخ‏ ‏صدره‏ بارز ‏العظام‏‏ ‏..
بجوارهما‏ مباشرة ‏‏سار‏ ‏شيخ‏ ‏الغفر‏ ‏بقامته‏ الفارعة ‏ ‏وشاربه‏ الطويل ‏الذي‏ ‏يلفه بعجينة من القمح ، حتى يقف‏ ‏عليه‏ ‏كل‏ ‏طير‏ ‏القرية‏ ‏ولا يسقط‏ ‏، كانت مشيته تحمل رائحة الخيلاء والزهو ، وهو يحرك في إهمال بندقيته‏ ‏التي‏ ‏يحملها‏ ‏فوق‏ ‏كتفه‏ ‏الأيمن‏‏ ، ‏وقد‏ ‏تآكلت‏ ‏أجزاء‏ من‏ ‏جسدها‏ ‏الخشبي‏ ، ‏ومن‏ ‏خلفهم‏ ‏مشي‏ بعض ‏الغفر‏ ببطيء وإرهاق والنوم ‏يداعب‏ ‏جفونهم‏.‏
‏تخلف عن هذا الموكب‏ ‏شيخ‏ ‏البلد‏ ، ‏رفض أن يحضر رغم أن حضرة العمدة أرسلت في أثره ، موقفه ليس وليد هذه اللحظة ، فبعد توليها العمدية‏‏ ‏حلف‏ ‏برأس‏ ‏أبيه‏ ‏ليترك‏ ‏المشيخة‏ ، فهو لا يمكن أن يستمد قراره من‏ ‏واحده‏ ‏ست‏ ‏ولو كانت ‏حضرة‏ ‏العمدة‏.‏
عندما مر‏ ‏موكب‏ ‏العمدة‏ ‏مخترقا ‏الجرن‏ ‏الواسع ، الموجود‏ ‏عند‏ ‏بداية‏ ‏الطريق‏ ‏الزراعي‏ ، الذي يقيمون به أفراحهم وحلقات الذكر‏ ، كانت‏ ‏النسوة ‏المتجمعات‏ ‏أمام‏ ‏عتاب‏ ‏دورهن‏ ، ‏ينظرن‏ ‏لحضرة‏ ‏العمدة‏ ‏بعين‏ ‏من الفخر‏ والانتصار ، ‏ولم‏ ‏تكن‏ ‏تلك‏ ‏النظرات‏ مبهمة و‏غير‏ ‏مفهومة‏ لرجالات القرية‏ .. ‏فمن‏ ‏يوم‏ ‏تعيين‏ ‏العمدة‏ ‏والرجال‏ ‏يجمعون‏ ‏على‏ ‏أن‏ ‏نسائهم ‏‏أصبحن‏ ‏يندب‏ ‏في‏ ‏عيونهن ‏الرصاص‏ ، ‏فلم‏ ‏يعدوا‏ ‏يذهبو‏ ‏إلى‏ ‏الغيطان‏ ‏كالمعتاد‏ ، ‏بل‏ أن ‏الست‏ ‏التي‏ ‏لم‏ ‏يسافر‏ ‏زوجها‏ ‏إلى‏ ‏الخارج‏ ، ‏أصبحت‏ ‏تتجرأ‏ ‏وتعايره‏ ‏وتقلل‏ ‏من‏ ‏شأنه‏ ‏ومن‏ ‏كرامته‏ ‏أمام‏ ‏أهل‏ ‏القرية‏ ، ولكن للإنصاف فإن الحسنة‏ ‏الوحيدة‏ ‏التي‏ ‏يراها‏ ‏الرجال‏ ‏الآن‏ ‏في‏ ‏نسائهن‏ ، ‏أنهن‏ ‏أصبحن‏ ‏يمثلن شفعة لا تخيب لدي‏ ‏حضرة‏ ‏العمدة‏ ‏عند الوقوع في‏ ‏أي مشكلة.‏
بعد أن عبر الموكب الجرن ، أخذت أنوار الشوارع‏ في البهتان ‏‏، ‏فأعمدة الإنارة تنتهي عند مدخل القرية ، والمصابيح‏ ‏دائما ما تتعرض‏ ‏للسرقة‏ ،وعيدان‏ ‏الذرة‏ ‏في الغيطان‏ ‏نمت‏ ‏لدرجة أنها أصبحت قادرة على حجب‏ ‏بقايا‏ ‏الضوء‏ ‏الباهت‏ ‏الآتية‏ ‏من‏ ناحية مئذنة ‏الجامع.
هذه الظلمة دفعت ذاكرة ‏"حضرة ‏العمدة‏ " على تخيل شكل القتيل ، خاصة أنها المرة الأولى التي ترى فيها جثة ، وللإنصاف هي المرة الوحيدة التي ‏يسوق فيها القدر غريقا ناحية القرية .
- هل يمكن أن تكون ممزقة بسكين.
- يمكن تكون مشوهة .
أوضاع عديدة تخيلت فيها الجثة ، وكلما مر بخاطرها سبب أستولي عليها القلق والرعب من مجابهة تلك المصيبة ..‏مع كل خطوة كانت ‏درجة‏ ‏حرارة‏ ‏جسدها ترتفع‏ ‏، فتزداد التصاقا ‏بزوجها‏ ، الذي كان يشعر بخوفها فيهدهد على كف يدها التي ‏استماتت‏ على ذراعه .. ‏أثناء ذلك كان‏ هدير أهل ‏القرية‏ ‏يجيء مختلطا ‏بصفارات أحد ‏الخفراء ‏ ‏القابع‏ ‏بجوار‏ ‏الجثة‏ ، ‏وصوت‏ ‏ميكروفونات‏ المسجد ‏الذي‏ ‏ينبه‏ ‏عن‏ ‏وجود‏ ‏القتيل‏.‏
وصل موكب‏ ‏حضرة‏ ‏العمدة‏ ‏أخيرا‏‏ ‏إلى‏ ‏المكان‏ المحدد‏ ، ‏وبمجرد‏ ‏أن‏ ‏لمحها‏ ‏الخفراء ‏ ‏قاموا‏ ‏بتفريق‏ ‏الناس‏ ‏الموجودين‏ ‏بجوار‏ ‏الجثة‏ ‏المغطاة‏ ‏بكوم‏ ‏من‏ ‏القش‏ ، حتى يمنحوا ‏ ‏حضرة‏ ‏العمدة‏ فرصة التقاط أنفاسها ، والتفكير العميق ‏في إيجاد مخرج لتلك الكارثة التي يمكن أن تجلب للقرية برمتها مصيبة السؤال والجواب في المركز ، وما أدراكم بمخبري المركز‏.‏
تعلقت‏‏ ‏كل‏ ‏العيون‏ بها فهي المسئولة الآن عن‏ الربط‏ ‏والحل‏ ‏في‏ ‏تلك‏ ‏المصيبة‏ ‏الصعبة، ‏وحبست‏ ‏الأنفاس‏ ‏ودب صمت مميت ‏.‏
‏- ‏غريب‏ ‏يا حضرة‏ ‏العمدة
قالها‏ ‏أحد‏ ‏الخفراء ‏ ‏الذين‏ ‏كانوا‏ ‏يحرسون‏ ‏الجثة‏ .
‏- ‏جاي‏ ‏مقتول‏ ‏جاهز‏ ‏يافندم‏ .. ‏
شعر ‏شيخ‏ ‏الغفر‏ ‏بأن الفرصة أصبحت سانحة له‏ ، ‏لكي يبين‏ ‏مدي‏ ‏نباهته ‏أمام حضرة‏ ‏العمدة‏ ‏وبأنه‏ ‏كبير‏ اللمة ، ‏ويجب‏ ‏أن‏ ‏تعتمد‏ ‏عليه‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏صغيرة‏ ‏وكبيرة بعد ذلك ‏.‏
‏- ‏صحيح‏ يا حضرة العمدة .. ‏ ممكن نشيله‏ ‏ونرميه‏ ‏في‏ ‏الترعة ‏ .. ‏وكدا كدا تيار الميه يحدفه بعيد عن القرية‏ .. ‏ونريح‏ ‏رأسنا‏.‏
لم تتعجل حضرة العمدة في ردها ، فهي تدرك بأن نهاية هيبتها أمام أهل القرية ، يبدأ مع تنفيذ فكرة شيخ الغفر ، الذي تعلم بأنه خبيث ولا ينصح لوجه الله ..
اشتدت‏ ‏الأنوار‏ في‏ ‏ذلك‏ ‏الوقت‏ ‏حول‏ ‏الجثة‏ ‏وسط صمت‏ ‏القبور‏ ‏الذي‏ ‏حل‏ على المكان.. ‏الكل‏ ‏يترقب‏ ‏وينتظر في لهفة الحل‏ ، والحل طال وأمتد .. وحضرة‏ ‏العمدة تروح‏ وتجئ ‏في‏ ‏المكان‏ ‏وهي‏ ‏تفرك‏‏ ‏يديها‏ ، ‏عيناها معلقتان بنظرات‏ ‏زوجها‏ ‏الواقف‏ ‏، تقف ويطول نظرها إليه وكأنها‏ ‏تستحثه‏ ‏على‏ إبداء ‏رأيه‏ ‏، وفجأة لمعت عيناها بالحل ، وفي‏ ‏استعلاء‏ ‏نظرت‏ إلى ‏الجثة‏ المغطاة ‏، وما كادت‏ ‏لسانها المعقود يستجمع قواه وينطق‏ ‏بالحل‏ ‏إلا‏ ‏وسبقه ‏غباء‏ ‏الخفير‏ ، ‏فقد‏ ‏عاجلها‏ ‏برفع‏ ‏القش‏ ‏من فوق‏ ‏الجثة ..
- ‏انظري‏ ‏يا حضرة‏ ‏العمدة
وما‏ ‏أن‏ ‏وقعت‏ ‏عين‏ ‏حضرة‏ ‏العمدة‏ ‏على‏ ‏الجثة‏ ‏التي أنفصل ‏ ‏رأسها عن الجسد ..‏ حتى ‏دبت‏ بأعلى ‏صوت‏ ‏وسقطت‏ ‏مغشيا‏ ‏عليها‏ ‏.. ووقتها وقعت ‏‏القرية‏ ‏في حيرة ما بعدها حيرة بين‏ ‏الجثة‏ الملقاة وحضرة‏ ‏العمدة‏ ‏التي تتمدد بجوارها ، من‏ ‏يومها‏ وهي راقدة بلا حراك على السرير ،‏ ‏لا يمكنها الحديث‏ مع ‏أحد‏ ، ‏حتي زوجها منع الناس عن رؤيتها‏ ، ومن ليلتها والقرية منقسمة على نفسها‏ بين ‏شامت‏ ‏وبين‏ ‏مشفق ..

حب للأبد





الحب إحساس ينمو ..
يلهو .. يتنفس ..
يعيش لآخر العمر ..

حب للأبد

يوم الخميس الماضي انهارت أعصاب الأستاذ " محب " ، مما دفعه للوقوع في المحظور.. الشائعات تطايرت في كل مكان بأن الجان مسه ، وبدأ يهذي بأصوات مرتفعة كلما خلى بنفسه في حجرة النوم عقب صلاة عشاء ، حجرة كئيبة على القلب ، تثير في نفوس كل من يراها الكآبة والسأم ، دهان حوائطها الرمادي بهت وتهاوت أجزاء منه ، وشباكها الوحيد مكسو بستارة من الستان الأسود وسجادها عتيق ينفث رائحة عتة.
كلما دخل الحجرة كان يصر على إغلاق بابها من الداخل ، ينحشر بجسده الضخم داخل مقعده الهزاز ، يلقي برأسه إلى الوراء .. يتحدث بصوت مرتفع متهدج ، صوت مرتعش يوحي لكل من تضطره الظروف ويقصد الممر المؤدي لدورة المياه ، بأن الأستاذ يتوسل لشخص من لحم ودم يقطن معه الحجرة الخاوية.. بعض المتلصصين من أهل البيت كانوا ينتهزون خروجه ويتسللون داخلها , يقلبون في كافة أرجائها رأسا على عقب بحثا عن هذا الشخص ..
كان معروفا بين الناس أن الأستاذ لديه خلق رفيع وعقل راجح ، كريم في بيته ومكتبه مفتوح لكل من هب ودب ، لحل المشكلات ونفح ما به من نصيب ، ولكن ما جرى له بعد ذلك أوحي للناس بأن عقله ولى وراح بلا رجعة.. ولأني صديق عمره منذ أربعين أو بالأحرى تسعة وثلاثين عاما وأقرب الأشخاص إليه ، فأنا أدري نفر بكل ما حدث له.
ولكى أكون صادقا معكم ، اجتهدت في صده عن إتمام ما كان ينوي تنفيذه ، ولكن لم أداوم لأنه عنيد .. وحتى لا نتوه ونتخبط في القيل والقال ، فما كان ينويه الأستاذ نفذه يوم الخميس الماضي ..
في صباح ذلك اليوم وكالعادة أفاق مبكرا ، نزل درجات السلم على مهل مستندا على عصاه ، مسح بنظره أركان الحديقة التي ذبلت أشجارها قبل أن يلتهم إفطاره ، بعد فترة شد جسده المنهك ، تغلب على الألم المنتشر في ساقه اليمني ، وبصعوبة وصل إلى حجرة النوم ، سكب في فمه كمية من أدوية الضغط والسكر والقلب الذي يعاني منه.
بعد ساعة خرج مرتديا حلة سوداء ، يزينها قميص أبيض وكرافتة يعكر بياضها نقاط سوداء مبعثرة ، حلة مستوردة ابتاعتها له زوجته منذ أربعة شهور.
قرر أن يمر على الحلواني ، الذي تتعامل معه زوجته من زمن غابر ، كان المكان يغص بالزبائن ، ابتاع منه تورته مكسوة من الخارج بطبقة من الشيكولات والمكسرات وراح للبيت ..
في غبشة هذا اليوم وبعد أن خفتت حدة الشمس الحارقة ، أمر السائق بأن يقله إلى نفس المكان الذي يتردد عليه بصورة أسبوعية لمقابلة زوجته ، مكان عشوائي غير منسق، بيوته بسيطة فقيرة مبعثرة ، فرض على الزوجة أن تقطن به مع والديها..
- ارجع وانتظرني في العربة
وجه الأستاذ كلماته إلى السائق ، بعد أن ترك من يده باقة الورود والتورتة التي كان يحملهما على مكان يشبه المصطبة.
حتى هذه المرحلة لا توحي تصرفات الأستاذ بأنه فقد عقله ، ولكن ما جاء بعد ذلك هو الأهم ، جوهر ما كان يصر على تنفيذه ، هو إقامة عيد ميلاد زوجته وسط هذا المكان الموحش .. أصر لأن العام الفائت لم يستطع الاحتفال معها ، كان يعاني من أزمة مرضية دخل على أثرها المستشفي ، وجاء اليوم ليعوضها بعد أن تخطت عامها السابع والستين..
كاد النهار يتلاشى ، لفحت تجاعيد وجهه نسمة رطبة .. شاردة .. غريبة عن جو شهر أغسطس القائظ .. أعقبتها دفقات أخري كادت تطفيء الشمعة التي نبتت من داخل التورتة..
ما فعله " محب " لم يكن مفاجأة لزوجته ، كانت فرحتها عارمة ، وضحت في رعشة شفتيها ، وفي لمعة عينيها .. اقتربت منه .. شعر بقبلة شوق تطبع على خده الأيسر .. انتشي .. أحس فرحة .. كان يتمني أن يشعر بها في بيتهما بعيدا عن هذا المكان ، الذي ينفث كآبة وصمت وأنفاس متجمدة عميقة ، مكان كله طنين ذباب أخضر لزج ، و كلاب ضالة، وشخشخة أوراق سنط يتدلى من أفرعه صمغ كثيف بني داكن.
في شوق نظر " محب " ناحية زوجته ، بين ثنايا وجهه تدحرجت دموعه دون سيطرة ..
- كل سنة وأنت طيبة يا حبيبتي
انتزعت تنهيدة عميقة من بين ضلوعها ، ألحقتها بابتسامة تحمل شوقا عارما ، أشاعت بين الأهل الذين التفوا حولهما موجة من البهجة .
مدد" محب " ساقيه فوق قطعة من القماش افترشت الأرض، أرخى على يمينه باقة الورد التي نسجها من المحل الملاصق لناصية الشارع الذي يعمل به ، وبثغر باسم سألها:-
- فاكرة أول يوم لمحتك به .
ولكن صمتها المتكلم وابتسامتها المنحوتة في قسمات الوجه الناعم ، كانت كفيلة بالرد عليه ..
- حينما هللت من قريتي للعمل في الجريدة ، سكنت أمام شباك حجرتك .. شغفت بك من أول نظرة ، رغم تهدل خصلات شعرك على وجنتيك بطريقة غير مرتبة، وتناثر رغوة الصابون على ملابسك ، وتساقط مياه الغسيل من أطراف أكمام جلبابك .. حينها رفعت عينيك بعد الانتهاء من تمديد الملابس على حبل الغسيل ،فوجئت .. حاولت باستماتة إخفاء نفسك.
استفاق الأستاذ وقطع حديثه في ضيق ، بسبب ذبابة لزجة خضراء ، حامت مرات حول وجهه .. طاردها بيديه .. وبعد فترة تعاطفت معه وطارت مبتعدة عنه ..
- أنت فاكرة اليوم التالي .. تسمرت في الشباك بعد عودتي من العمل ، رغم المرض والرعشة الشديدة وقطرات العرق التي كانت تتهادى على جبيني .. وقتها فررت بمجرد أن لمحتيني..
فجأة قطع الأستاذ كلماته ، بعد أن مرق بجواره كلب ضال يتدلى من فمه رغوة ولسان بفضل قيظ الجو ، وقف شاخصا في استغراب وتعجب يحدق في وجوه الحاضرين.. ثم جمع كل قوته وأطلقها في موجة نباح .. نباح متقطع أزعج الزوجين ، وأزاح النشوة التي كانت تعتري الضيوف ، فهم يجلسون ساهمين منذ قدوم الأستاذ ، لم يحاول أحدهم أن يقطع الخلوة بين الزوجين ..
- أتذكر ذلك اليوم .. حينما داهمتني الأزمة القلبية.. بعد أسبوع بالكمال والتمام ..فوجئت بك تتطلعين إلي بنظرات تملؤها اللهفة والقلق ، وأندفعتي بدون شعور :-
- حمد الله على سلامتك يا أستاذ
في لهفة وبدون شعور رددت الكلام عددا من المرات ، كان الخوف والرعب واضحا على ملامحك .
- بحبك .. بحبك
بمجرد سماعك الكلمة هرعتي بعيدا .. كأنك لم تصدق بأن هناك من يحبك .. في اليوم التالي طلبت منك مقابلة والدك ..حاولت الهرب بسبب رفض والدك،لأن قصة مرضي بالقلب انتشرت في الشارع الذي نقطن فيه..
ولكن حبي الذي تفجر أزاح أمامه كل الأوهام .. الخوف .. رفض والدك.. تزوجنا وعشنا أجمل أيام عمرنا .
جاءت دفعة هواء أخري رطبة ، لم يعرف مصدرها .. أطفأت الشمعة ..
- تتذكرين أول عيد ميلاد لك .. وقتها كانت عيناك تلمعان بالفرحة .. نفس الإحساس أشعر به الآن .. يديك المرتعشتان .. ضمتك التي تخرجين فيها حرمان السنين .. ابتسامتك التي لم تفارق شفتيك المنحوتتين ووجهك البشوش ..
بصعوبة أخرج " محب " عود الثقاب من سترته ، حاول إشعال الشمعة وهو يتنهد وينظر للأفق البعيد ، ودموع الفرحة لا تفارق عيناه ، وفي رعشة شفتاه قال لها ..
- لم تستوعب الأرض حجم هذه الفرحة .. حلقنا معا.. خططت حياتي التي كانت بلا طعم ..كنت تجلسين بجواري على السرير تقرأين لي .. دفعتيني للنجاح حتى أصبحنا مضربا للمثل ..
في هذا اليوم كان الذباب كثيفا ولزجا ، أخذ يطن .. يلتصق .. يضع الأتربة ومخلفاته فوق التورته .. ولكن الزوج لم يكن يعيره أي اهتمام ، لأنه كان مأخوذا بزوجته وذكرياتهما معا..
- كنت تنتظرين كل يوم على باب الشقة ، بعد أن تلمحيني من النافذة وأنا قادم ..
- يا بيه لا تنظر وأنت طالع ناحية شقة الست المايعة .
- كنت أضحك من كثرة غيرتك ، رغم زيادتها في أحيان كثيرة ..
- هي واقفة لك في الرايحة والجاية ليه.. أنت بينكما حاجة .. قول .. أعترف .. أنا بأشوفها وهي بتضحك ليك ..
- يا حبيبتي بلاش أوهام هو في حد غيرك ممكن قلبي يراه .. أنت الوحيدة التي ملكتيني ..
- كان حبنا مضرب المثل بين الأهل والأصدقاء ، هل تتذكرين عندما
جاء محمد صديقنا في الساعة الثالثة صباحا ، غضبان جدا ومنفعل وبدون أحم ولا دستور أنفجر فينا ...
- ممكن تبقوا تخلوا حبكما بينكما دون أن تشعر به زوجتي ..
- ليه خير الله ما أجعله خير ..
- أتخنقنا الليلة بسببكما وتركت لي المنزل والأولاد .. عاوزاني أحبها نصف ما بتحبوا بعض ... هأ هأ
- أنت عارفة .. أنا اليوم متأكد بأن الناس تتهامس وتتغامز على وتقول مجنون .. ولكن رغم ذلك حزمت أمري بأن آتي لأحتفل بعيد ميلادك.
- أنا أتذكر السنة الماضية حينما أتيت بالتورتة إلى المستشفي ، حيث كنت أرقد من مرضي المزمن .. رغم إجهادي ولكن فرحتي بك كانت أضخم .
- كل سنة وأنت طيبة يا أرق حبيبة .. هل تتذكرين آخر عيد ميلاد لك .. كنت زعلان جدا منك .. بسبب عدم اعترافك بخطئك ..
- يومها كنت في عملي وقرأت حوارك في إحدى المجلات عن حياتنا ... يومها لم تذكر دورك في نجاحي .. ليه ..
- لا تجادلي .. أنت أخطأت .. دورك في حياتي كل الناس تعرفه ..
المهم .. كل سنة وأنت طيبة .. أنت جميلة كما رأيتك أول مرة .. لم يختلف قوامك الممشوق .. أو وجهك وروحك الجميلتان ..
فجأة إنهمرت دموع الزوج .. سامحيني لا أستطيع أن أقبلك كالعادة .. أو أمسك نفسي عن البكاء في يوم عيد ميلادك .
بكي بحرقة حتى غامت عيناه .. بكي لدرجة أنه فقد الشعور بنفسه إلا بعد أن شعر بيد تمتد إلى كتفه ..
- الجو ليل يا أستاذ
استند الاستاذ على يد سائقه ، ترك زوجته بمفردها وسط ابتسامة حزينه .. إبتسامة وداع من داخل قبرها ..
في تلك الليلة لم يتحدث إلى أحد ، جاءته في الحلم .. تقابلا.. تجمعت روحهما كما كانت في الحياة ..

الثلاثاء، 17 يونيو 2008

رغبة إمرأة ميتة

رغبة إمرأة ميتة في جردية الجمهورية

مجموعة رغبة إمرأة ميتة

المجموعة القصصية الأولي " رغبة إمرأة ميتة " بجريدة الأهرام المسائي

مدينة الحريم في جريدة الأهرام

خبر عن مجموعة مدينة الحريم بجريدة الأهرام

مدينة الحريم بالإنجليزية في الأهرام ويكلي

مدينة الحريم في الأهرام ويكلي

قصة ضياع العمر بجريدة الوفد


تم نشر قصة ضياع العمر من مجموعة مدينة الحريم بجريدة الوفد

جائزة الصحافة العربية


صورة من جائزة الصحافة العربية هذا العام 2008




جريدة الجمهورية