الأحد، 1 مارس 2009

في جريدة الأهرام .. في قلب العمران الخردة الإلكترونية .. قنبلة موقوتة!

تحقيقات



44439‏السنة 132-العدد2008اغسطس7‏6 من شعبان 1429 هـالخميس




في قلب العمران‏:‏
الخردة الالكترونية‏..‏ قنبلة موقوتة‏!‏

تحقيق ـ أحمد خيري
لا أحد من تجار الخردة الالكترونية يدرك مدي الخطورة التي يسببها التخلص غير الآمن من أجهزة الحاسبات الآلية‏,‏ ومعدات الاتصالات القديمة‏,‏ والتي تصيب الانسان بأمراض خطيرة وفي نفس الوقت تهدد البيئة‏,‏ والمخزون الجوفي من المياه‏.‏

ولا شك أن عدم وجود تشريعات صارمة تجرم هذه الظاهرة‏,‏ ساهم كثيرا في عمليات حرق منظمة للتخلص من هذه النفايات التي صارت تمثل قنبلة موقوتة تسبب كوارث بيئية وصحية‏..‏ تتحدي كل القوانين‏!‏

هناك سلسلة طويلة من المؤشرات تدل علي تنامي تلك المشكلة‏,‏ تتصدر حلقاتها ارتباطها بنوعية من الصناعات سريعة التطور‏,‏ حيث تجد الموديلات الجديدة طريقها الي الظهور في الأسواق المحلية والعالمية كل ثمانية عشر شهرا تقريبا‏,‏ يضاف الي ذلك قصر العمر الافتراضي لتلك المنتجات‏,‏ نظرا لارتباطها بتطور آخر في صناعات مكملة مثل هندسة البرامج‏

التي تتطلب وجود أجهزة بمواصفات خاصة‏,‏ الأمر الذي يدفع الشركات المنتجة الي ابتكار أجهزة ذات مواصفات عالية وبالتالي يضطر المستهلك الي شراء الحديث من المنتجات والتخلص من القديم‏.‏ يتضافر مع تلك الحلقات غياب المقاييس القانونية‏,‏ التي تمثل المحك الرئيسي للتفريق بين النفايات السامة والنفايات الأخري‏

مما يسمح للأفراد وبعض مراكز الصيانة ومصانع بير السلم في بإلقاء مخلفاتهم الالكترونية داخل صناديق القمامة العامة وجعلها أمرا اعتياديا‏.‏

مصدر النفايات الالكترونية
من أجل تحديد حجم المشكلة علي أرض الواقع‏,‏ حاولنا الوصول الي منابع ضخ هذه الأجهزة الالكترونية المتهالكة‏,‏ والطرق التي تسلكها حتي تصل الي أيدي تجار الخردة‏,‏ وهنا يصنف المهندس علي محمد القناوي ـ رئيس مجلس إدارة إحدي الشركات المتخصصة في تجميع الحاسب الآلي ـ مصادر جبال الأجهزة الالكترونية المرصوصة في سوق الخردة بالإمام الشافعي ـ التي تعقد يوم الجمعة ـ وسوق الخردة بمنطقة شبرا ـ والتي تعقد يوم الأحد‏

باعتبارهما من أكبر المدافن الرقمية لأجهزة الحاسب الآلي القديمة والتليفونات المحمولة وأجهزة التليفزيونات المستعملة‏,‏ في مصدرين مهمين‏,‏ أولهما مخلفات المناقصات التي تقيمها الجهات الحكومية‏,‏ وهي كميات ضخمة نتجت من جراء شراء اربعة أجيال من أجهزة الحاسب الآلي ومستلزماته‏,‏ امتدت الموجة الأولي ـ التي بدأت عام‏1988‏ ـ لمدة خمس سنوات‏,‏ خلفت وراءها آلافا من الأجهزة القديمة داخل المخازن‏,‏ تلاحقت بعدها الموجات التي استغرقت كل منها خمس سنوات‏,‏ حتي رفعت رصيد المخازن الي مئات الآلاف من الأجهزة القديمة‏.‏

وطبقا لمعايير البيع والشراء التي يحددها الروتين والقوانين داخل المؤسسات الحكومية‏,‏ فإن العمر الافتراضي لأجهزة الحاسب يتراوح بين ثلاث وخمس سنوات‏,‏ لتتحول القيمة الدفترية للأجهزة الي الصفر‏,‏ ومن ثم حددت اللوائح الطريق لوصول الأجهزة من المخازن الحكومية الي تجار الخردة‏.‏ أما الطريقة الثانية التي تمد تلك المدافن الرقمية بالأجهزة القديمة‏,‏ فيحددها المهندس القناوي فيما يتم استيراده من أجهزة مستعملة‏,‏ تحت لافتات متعددة كمكونات صناعية أو أجهزة رخيصة رأفة بغير القادرين علي شراء الجديد منها‏,‏ وغيرها من الشعارات التي تلتف حول اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود والقوانين المحلية التي تحرم وتجرم دخول النفايات الإلكترونية‏.‏

وحتي يمكننا لمس آثار مشكلة السماح لمثل النفايات بالدخول الي أسواقنا‏,‏ وتقدير عواقبها ـ أشار القناوي ـ الي أحد التقارير العالمية الذي يحمل عنوات تصدير الأذي‏:‏ نفايات فائقة التطور في أسيا‏,‏ ورصد عدد من القري تقع في جنوب شرق الصين‏,‏ تجري فيها عملية تفكيك وحرق أجهزة الحاسب الآلي القديمة‏,‏ ويقذف بالبقايا غير النافعة منها داخل الحقول وعلي ضفاف الأنهر‏,‏ وعليه أصبحت المياه الجوفية في تلك الأماكن ملوثة تماما ولا تصلح للشرب‏,‏ لدرجة أن أهالي القرية يسعون لمسافة ثمانية عشر ميلا بغرض الحصول علي مياه شرب‏,‏ وقد أظهرت عينة أخذت من احدي تلكقري المنطقة‏,‏ بأن مستوي التلوث يفوق معدلات التلوث المقبولة بـ‏190‏ مرة‏.‏

النفايات الالكترونية‏..‏ مواد سامة‏!‏
يؤكد المهندس ماجد جورج وزير الدولة لشئون البيئة‏,‏ أن مخلفات الصناعات الألكترونية والكهربائية مثل الحاسبات المستعملة وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية والأجهزة الكهربائية تعد من النفايات الخطرة‏,‏ نظرا لما تحتويه من مكونات ومواد سامة‏,‏ مثل الفسفور الذي يتم دهن شاشات الحاسبات به وهي مادة شديدة السمية‏,‏ والباريوم المستخدم في اللوح الأمامي للشاشة للحماية من الاشعاع‏,‏ واللدائن من مادة بولي فينيل كلوريد‏,‏ ومضادات اللهب التي تحد من انتشار الحريق في خامات البلاستيك‏,‏ والرصاص المستخدم في الدوائر المستخدمة في الدوائر المطبوعة والتي تغطي بالرصاص‏,‏ إضافة الي الكادميوم المستخدم في الدوائر الالكترونية المتكاملة والمقاومات والمكثفات الموجودة بالأجهزة الكهربائية‏.‏

ويشير المهندس ماجد جورج الي أن التخلص غير الآمن لهذه النوعية من النفايات سواء بالدفن أو الحرق‏,‏ يتسبب في أضرار بيئية وصحية عديدة مثل أمراض هشاشة العظام والأمراض العصبية وضعف الذاكرة والشيخوخة المبكرة بالإضافة الي الأضرار الناجمة عن كسرها‏,‏ لهذا تهدف إعادة التدوير الي الحد من التأثيرات الصحية والبيئية الناتجة عن التخلص غير الآمن من هذه النفايات عن طريق الحرق في محارق المخلفات الخطرة أو الدفن غير الآمن لها‏,‏ ويعد تدوير المنتجات الالكترونية أمرا غاية في الصعوبة نظرا لتعدد المواد المتداخلة في تصنيعها‏,‏ ولا توجد بمصر حاليا شركات متخصصة في عمليات إعادة التدوير‏.‏

وجهاز شئون البيئة ـ وحدة الصناعة ـ له العديد من الأنشطة في مجال تدوير مخرجات صناعات الإلكترونيات حيث أشار المهندس ماجد جورج إلي أحد المشروعات الذي جري بالتعاون مع البنك الدولي‏,‏ لتوفيق أوضاع شركة النصر للأجهزة الكهربائية والالكترونية بالاسكندرية‏,‏ بغرض تقليل انبعاثات أبخرة الزئبق في بيئة العمل‏.‏ يضاف الي ذلك بعض المبادرات التي قامت بها إحدي شركات المحمول المصرية‏,‏ والخاصة بتجميع بطاريات التليفون المحمول المستهلكة في السوق المصرية‏,‏ وإعادة تدويرها في انجلترا بالتعاون مع احدي الشركات‏.‏

صحة الانسان أولا
يتطلب انتاج بعض الأجهزة الالكترونية استخدام مواد خام كيماوية‏,‏ تصل في بعضها الي أضعاف وزنه‏,‏ حيث أعطي المهندس وحيد عبد الحليم ـ رئيس مجلس ادارة إحدي الشركات العاملة في مجال تجميع وتصنيع الحاسب الآلي ـ مثالا علي انتاج جهاز حاسب الآلي يزن حجمه أربعة وعشرون كيلو جراما‏,‏ فإنه يحتاج الي نحو‏240‏ كيلو جراما علي الأقل من وقود الحفريات للتزويد بالطاقة‏,‏ وأثنين وعشرين كيلو جراما من المواد الكيماوية‏,‏ أضف الي ذلك كمية مياه تصل إلي‏1,5‏ طن من المياه‏.‏

تشير تلك الاحصائيات الي خطورة وصول تلك الأجهزة الالكترونية القديمة‏,‏ في نهاية المطاف الي أيدي تجار الخردة‏,‏ ممن يفقدون الوعي الصحي الكافي‏,‏ بما تحتويه هذه الأجهزة من مكونات سامة وضارة‏.‏

حيث أوضح الدكتور أحمد محمد بدوي استشاري مخ واعصاب بأن تلك الأجهزة‏,‏ عادة ماتتكون من عناصر خطرة علي جسم الانسان‏,‏ منها علي سبيل المثال مادة الرصاص التي تشكل عنصرا مهما في تكوين الحاسب الآلي‏,‏ لها تأثيرها المباشر علي الجهاز العصبي والدور الدمو والكلي وجهاز المناعة‏,‏ فضلا عن أثرها السلبي علي النمو العقلي للأطفال‏.‏

أما عنصر الكاديموم فيعد من العناصر الفلزية ذات التأثير الخطير عند ترسبه علي الكلي والجهاز البولي‏,‏ وكذلك مادة الزئبق التي تعمل علي تحطيم الأعضاء الداخلية خاصة الدماغ والكلي‏,‏ ويؤثر سلبيا علي تكوين الجنين‏,‏ وينتج عن اختلاط الزئبق بالماء ميثالين الزئبق الذي يترسب داخل الأعضاء الحية بكل سهولة‏,‏ وتشير الدراسات الي أن‏22%‏ من الاستهلاك السنوي للزئبق يتم عبر المعدات الكهربائية والالكترونية والأجهزة الطبية والهواتف المحمولة وأجهزة الاستشعار‏,‏ وارتفع معدل استعمال الزئبق بصورة ملفتة‏,‏ بعد تطوير شاشات العرض الحديثة والمسطحة التي ظهرت لتحل محل أنابيب الكاثود التقليدية‏.‏

0 التعليقات: