| في قلب العمران: الخردة الالكترونية.. قنبلة موقوتة! تحقيق ـ أحمد خيري | |
لا أحد من تجار الخردة الالكترونية يدرك مدي الخطورة التي يسببها التخلص غير الآمن من أجهزة الحاسبات الآلية, ومعدات الاتصالات القديمة, والتي تصيب الانسان بأمراض خطيرة وفي نفس الوقت تهدد البيئة, والمخزون الجوفي من المياه.
ولا شك أن عدم وجود تشريعات صارمة تجرم هذه الظاهرة, ساهم كثيرا في عمليات حرق منظمة للتخلص من هذه النفايات التي صارت تمثل قنبلة موقوتة تسبب كوارث بيئية وصحية.. تتحدي كل القوانين!
هناك سلسلة طويلة من المؤشرات تدل علي تنامي تلك المشكلة, تتصدر حلقاتها ارتباطها بنوعية من الصناعات سريعة التطور, حيث تجد الموديلات الجديدة طريقها الي الظهور في الأسواق المحلية والعالمية كل ثمانية عشر شهرا تقريبا, يضاف الي ذلك قصر العمر الافتراضي لتلك المنتجات, نظرا لارتباطها بتطور آخر في صناعات مكملة مثل هندسة البرامج
التي تتطلب وجود أجهزة بمواصفات خاصة, الأمر الذي يدفع الشركات المنتجة الي ابتكار أجهزة ذات مواصفات عالية وبالتالي يضطر المستهلك الي شراء الحديث من المنتجات والتخلص من القديم. يتضافر مع تلك الحلقات غياب المقاييس القانونية, التي تمثل المحك الرئيسي للتفريق بين النفايات السامة والنفايات الأخري
مما يسمح للأفراد وبعض مراكز الصيانة ومصانع بير السلم في بإلقاء مخلفاتهم الالكترونية داخل صناديق القمامة العامة وجعلها أمرا اعتياديا.
مصدر النفايات الالكترونية من أجل تحديد حجم المشكلة علي أرض الواقع, حاولنا الوصول الي منابع ضخ هذه الأجهزة الالكترونية المتهالكة, والطرق التي تسلكها حتي تصل الي أيدي تجار الخردة, وهنا يصنف المهندس علي محمد القناوي ـ رئيس مجلس إدارة إحدي الشركات المتخصصة في تجميع الحاسب الآلي ـ مصادر جبال الأجهزة الالكترونية المرصوصة في سوق الخردة بالإمام الشافعي ـ التي تعقد يوم الجمعة ـ وسوق الخردة بمنطقة شبرا ـ والتي تعقد يوم الأحد
باعتبارهما من أكبر المدافن الرقمية لأجهزة الحاسب الآلي القديمة والتليفونات المحمولة وأجهزة التليفزيونات المستعملة, في مصدرين مهمين, أولهما مخلفات المناقصات التي تقيمها الجهات الحكومية, وهي كميات ضخمة نتجت من جراء شراء اربعة أجيال من أجهزة الحاسب الآلي ومستلزماته, امتدت الموجة الأولي ـ التي بدأت عام1988 ـ لمدة خمس سنوات, خلفت وراءها آلافا من الأجهزة القديمة داخل المخازن, تلاحقت بعدها الموجات التي استغرقت كل منها خمس سنوات, حتي رفعت رصيد المخازن الي مئات الآلاف من الأجهزة القديمة.
وطبقا لمعايير البيع والشراء التي يحددها الروتين والقوانين داخل المؤسسات الحكومية, فإن العمر الافتراضي لأجهزة الحاسب يتراوح بين ثلاث وخمس سنوات, لتتحول القيمة الدفترية للأجهزة الي الصفر, ومن ثم حددت اللوائح الطريق لوصول الأجهزة من المخازن الحكومية الي تجار الخردة. أما الطريقة الثانية التي تمد تلك المدافن الرقمية بالأجهزة القديمة, فيحددها المهندس القناوي فيما يتم استيراده من أجهزة مستعملة, تحت لافتات متعددة كمكونات صناعية أو أجهزة رخيصة رأفة بغير القادرين علي شراء الجديد منها, وغيرها من الشعارات التي تلتف حول اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود والقوانين المحلية التي تحرم وتجرم دخول النفايات الإلكترونية.
وحتي يمكننا لمس آثار مشكلة السماح لمثل النفايات بالدخول الي أسواقنا, وتقدير عواقبها ـ أشار القناوي ـ الي أحد التقارير العالمية الذي يحمل عنوات تصدير الأذي: نفايات فائقة التطور في أسيا, ورصد عدد من القري تقع في جنوب شرق الصين, تجري فيها عملية تفكيك وحرق أجهزة الحاسب الآلي القديمة, ويقذف بالبقايا غير النافعة منها داخل الحقول وعلي ضفاف الأنهر, وعليه أصبحت المياه الجوفية في تلك الأماكن ملوثة تماما ولا تصلح للشرب, لدرجة أن أهالي القرية يسعون لمسافة ثمانية عشر ميلا بغرض الحصول علي مياه شرب, وقد أظهرت عينة أخذت من احدي تلكقري المنطقة, بأن مستوي التلوث يفوق معدلات التلوث المقبولة بـ190 مرة.
النفايات الالكترونية.. مواد سامة! يؤكد المهندس ماجد جورج وزير الدولة لشئون البيئة, أن مخلفات الصناعات الألكترونية والكهربائية مثل الحاسبات المستعملة وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية والأجهزة الكهربائية تعد من النفايات الخطرة, نظرا لما تحتويه من مكونات ومواد سامة, مثل الفسفور الذي يتم دهن شاشات الحاسبات به وهي مادة شديدة السمية, والباريوم المستخدم في اللوح الأمامي للشاشة للحماية من الاشعاع, واللدائن من مادة بولي فينيل كلوريد, ومضادات اللهب التي تحد من انتشار الحريق في خامات البلاستيك, والرصاص المستخدم في الدوائر المستخدمة في الدوائر المطبوعة والتي تغطي بالرصاص, إضافة الي الكادميوم المستخدم في الدوائر الالكترونية المتكاملة والمقاومات والمكثفات الموجودة بالأجهزة الكهربائية.
ويشير المهندس ماجد جورج الي أن التخلص غير الآمن لهذه النوعية من النفايات سواء بالدفن أو الحرق, يتسبب في أضرار بيئية وصحية عديدة مثل أمراض هشاشة العظام والأمراض العصبية وضعف الذاكرة والشيخوخة المبكرة بالإضافة الي الأضرار الناجمة عن كسرها, لهذا تهدف إعادة التدوير الي الحد من التأثيرات الصحية والبيئية الناتجة عن التخلص غير الآمن من هذه النفايات عن طريق الحرق في محارق المخلفات الخطرة أو الدفن غير الآمن لها, ويعد تدوير المنتجات الالكترونية أمرا غاية في الصعوبة نظرا لتعدد المواد المتداخلة في تصنيعها, ولا توجد بمصر حاليا شركات متخصصة في عمليات إعادة التدوير.
وجهاز شئون البيئة ـ وحدة الصناعة ـ له العديد من الأنشطة في مجال تدوير مخرجات صناعات الإلكترونيات حيث أشار المهندس ماجد جورج إلي أحد المشروعات الذي جري بالتعاون مع البنك الدولي, لتوفيق أوضاع شركة النصر للأجهزة الكهربائية والالكترونية بالاسكندرية, بغرض تقليل انبعاثات أبخرة الزئبق في بيئة العمل. يضاف الي ذلك بعض المبادرات التي قامت بها إحدي شركات المحمول المصرية, والخاصة بتجميع بطاريات التليفون المحمول المستهلكة في السوق المصرية, وإعادة تدويرها في انجلترا بالتعاون مع احدي الشركات.
صحة الانسان أولا يتطلب انتاج بعض الأجهزة الالكترونية استخدام مواد خام كيماوية, تصل في بعضها الي أضعاف وزنه, حيث أعطي المهندس وحيد عبد الحليم ـ رئيس مجلس ادارة إحدي الشركات العاملة في مجال تجميع وتصنيع الحاسب الآلي ـ مثالا علي انتاج جهاز حاسب الآلي يزن حجمه أربعة وعشرون كيلو جراما, فإنه يحتاج الي نحو240 كيلو جراما علي الأقل من وقود الحفريات للتزويد بالطاقة, وأثنين وعشرين كيلو جراما من المواد الكيماوية, أضف الي ذلك كمية مياه تصل إلي1,5 طن من المياه.
تشير تلك الاحصائيات الي خطورة وصول تلك الأجهزة الالكترونية القديمة, في نهاية المطاف الي أيدي تجار الخردة, ممن يفقدون الوعي الصحي الكافي, بما تحتويه هذه الأجهزة من مكونات سامة وضارة.
حيث أوضح الدكتور أحمد محمد بدوي استشاري مخ واعصاب بأن تلك الأجهزة, عادة ماتتكون من عناصر خطرة علي جسم الانسان, منها علي سبيل المثال مادة الرصاص التي تشكل عنصرا مهما في تكوين الحاسب الآلي, لها تأثيرها المباشر علي الجهاز العصبي والدور الدمو والكلي وجهاز المناعة, فضلا عن أثرها السلبي علي النمو العقلي للأطفال.
أما عنصر الكاديموم فيعد من العناصر الفلزية ذات التأثير الخطير عند ترسبه علي الكلي والجهاز البولي, وكذلك مادة الزئبق التي تعمل علي تحطيم الأعضاء الداخلية خاصة الدماغ والكلي, ويؤثر سلبيا علي تكوين الجنين, وينتج عن اختلاط الزئبق بالماء ميثالين الزئبق الذي يترسب داخل الأعضاء الحية بكل سهولة, وتشير الدراسات الي أن22% من الاستهلاك السنوي للزئبق يتم عبر المعدات الكهربائية والالكترونية والأجهزة الطبية والهواتف المحمولة وأجهزة الاستشعار, وارتفع معدل استعمال الزئبق بصورة ملفتة, بعد تطوير شاشات العرض الحديثة والمسطحة التي ظهرت لتحل محل أنابيب الكاثود التقليدية. | | |
0 التعليقات:
إرسال تعليق